وذكر أبو أحمد العسكري أن هذا النحو من الكلام يسمّى: «المماثلة»، وهذه التسمية توهم أنه شيء غير المراد «بالمثل» و «التمثيل» وليس الأمر كذلك، كيف وأنت تقول: «مثلك مثل من يقدم رجلا ويؤخّر أخرى»؟ ووزان هذا أنك تقول: «زيد الأسد»، فيكون تشبيها على الحقيقة وإن كنت لم تصرّح بحرف التشبيه ومثله أنك تقول: «أنت
ترقم في الماء»، و «تضرب في حديد بارد»، و «تنفخ في غير فحم»، فلا تذكر ما يدلّ صريحا على أنك تشبّه، ولكنك تعلم أن المعنى على قولك: «أنت كمن يرقم في الماء، وكمن يضرب في حديد بارد، وكمن ينفخ في غير فحم»، وما أشبه ذلك مما تجيء فيه بمشّبه به ظاهر تقع هذه الأفعال في صلة اسمه أو صفته.
واعلم أن «المثل» قد يضرب بجمل لا بدّ فيها من أن يتقدّمها مذكور يكون مشبّها به، ولا يمكن حذف المشبّه به والاقتصار على ذكر المشبّه، ونقل الكلام إليه حتى كأنه صاحب الجملة، إلا أنه مشبّه بمن صفته وحكمه مضمون تلك الجملة.
بيان هذا، أن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «النّاس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة» (?)، لا بدّ فيه من المحافظة على ذكر المشبّه به الذي هو «الإبل»، فلو قلت: «الناس لا تجد فيهم راحلة أو «لا تجد في الناس راحلة»، كان ظاهر التعسّف.
وهاهنا ما هو أشدّ اقتضاء للمحافظة على ذكر ما تعلّق الجملة به وتسند إليه، وذلك مثل قوله عزّ وجلّ: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ [يونس: 24]، لو أردت أن تحذف «الماء» الذي هو المشبّه به، وتنقل الكلام إلى المشبّه الذي هو «الحياة»، أردت ما لا تحصل منه على كلام يعقل، لأن الأفعال المذكورة المحدّث بها عن الماء، لا يصحّ إجراؤها على الحياة فاحفظ هذا الأصل فإنك تحتاج إليه، وخصوصا في الاستعارة، على ما يجيء القول فيه إن شاء الله تعالى.
والجملة إذا جاءت بعد المشبّه به، لم تخل من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون المشبّه به معبّرا عنه بلفظ موصول، وتكون الجملة صلة،