صغر وحقر حتى لا يدخل في اعتداد، وحتى يكون وجدانه كفقدانه، فقد نزّلت الوجود فيمن عدا المذكور منزلة العدم.
وأما أن يكون التفضيل على توسّط، ويكون القصد الإخبار بأنه غير ناقص على الجملة، ولا ملغى منزّل منزلة المعدوم، وذلك قولك: «هذا شيء»، أي: داخل في الاعتداد.
وفي هذه الطريقة أيضا تفاوت، فإنك تقول مرة: «هذا إمّا لا، شيء»، تريد أن تقول: إن الآخر ليس بشيء ولا اعتداد به أصلا. وتقول أخرى: «هذا شيء»، تريد:
شيء له قدر وخطر. وتجري لك هذه الوجوه في أسماء الأجناس كلها تقول: «هذا هو الرجل ومن عداه فليس من الرجولية في شيء»، و «هذا هو الشعر فحسب»، تبالغ في التفضيل، وتجعل حقيقة الجنسية مقصورة على المذكور. وتقول: «هذا رجل» تريد: كامل من الرجال، لا أن من عداه فليس برجل على الكمال. وقد تقول: «هذا، إمّا لا، رجل»، تريد: يستحقّ أن يعدّ في الرجال، ويكون قصدك أن تشير إلى أنّ هناك واحدا آخر لا يدخل في الاعتداد
أصلا ولا يستحق اسم الرجل.
وإذا كان هذا هو الطريق المهيع في الوضع من الشيء وترك الاعتداد به، والتفضيل له والمبالغة في الاعتداد به، فكل صفتين تضادّتا، ثم أريد نقص الفاضلة منهما، عبّر عن نقصها باسم ضدّها، فجعلت الحياة العارية من فضيلة العلم والقدرة «موتا»، والبصر والسمع إذا لم ينتفع صاحبهما بما يسمع ويبصر فلم يفهم معنى المسموع ولم يعتبر بالمبصر أو لم يعرف حقيقته عمى وصمما، وقيل للرجل: «هو أعمى أصمّ»، يراد أنه لا يستفيد شيئا مما يسمع ويبصر، فكأنه لم يسمع ولم يبصر. وسواء عبّرت عن نقص الصفة بوجود ضدّها، أو وصفها بمجرّد العدم، وذلك أنّ في إثبات أحد الضدّين وصفا للشيء، نفيا للضدّ الآخر، لاستحالة أن يوجدا معا فيه، فيكون الشّخص حيّا ميّتا معا، أصمّ سمعيا في حالة واحدة. فقولك في الجاهل:
«هو ميّت»، بمنزلة قولك: «ليس بحيّ»، وأن الوجود في حياته بمنزلة العدم.
هذا هو ظاهر المذهب في الأمر والحكم إذا أطلق القول، فأما إذا قيّد كقوله:
[من السريع] أصمّ عمّا ساءه سميع فتثبت له الصفتان معا على الجملة، إلّا أن مرجع ذلك إلى أن يقال إنه كان يفقد السمع في حال ويعود إليه في حال أو أنه في حقّ هذا الجنس فاقد الإدراك مسلوبه،