جيّد النظر، مستعدّ لتمييز الحق من الباطل فيما يرد عليه، بعيد من الغفلة التي كالموت ويذهبون به في وجه آخر، وهو أنه حرك (?) نافذ في الأمور غير بطيء النهوض وذلك أن هذه الأوصاف من أمارات الصحة واعتدال المزاج وتوقّد نار الحياة، وهذا يصلح في الإنسان والبهيمة، لأنه تعريض بالقدرة والقوة. والمذهب الأول إشارة في العلم والعقل، وكلتا الصفتين أعني القدرة والعلم مما يشرف به الحيّ، ومما يضادّه الموت وينافيه.
ولما كان الأمر كذلك صار إطلاق «الحياة» مرة عبارة عن العلم، وأخرى عن القدرة وإطلاق الموت إشارة إلى عدم القدرة وضعفها تارة، وإلى عدم العلم وضعفه أخرى.
والقول الجامع في هذا: أنّ تنزيل الوجود منزلة العدم إذا أريد المبالغة في حطّ الشيء والوضع منه وخروجه عن أن يعتدّ به، كقولهم: «هو والعدم سواء» معروف متمكن في العادات، وربما دعاهم الإيغال وحبّ السّرف إلى أن
يطلبوا بعد العدم منزلة هي أدون منه، حتى يقعوا في ضرب من التهوّس، كقول أبي تمام: [من البسيط] وأنت أنزر من لا شيء في العدد (?) وقال ابن نباتة: [من البسيط]
ما زلت أعطف أيّامي فتمنحني … نيلا أدقّ من المعدوم في العدم (?)
ويتفرع على هذا إثبات الفضيلة للمذكور بإثبات اسم الشيء له، ويكون ذلك على وجهين:
أحدهما: أن تريد المدح وإثبات المزيّة والفضل على غاية المبالغة، حتى لا تحصل عليه مزيدا. فإذا أردت ذلك جعلت الإثبات كأنه مقصور عليه لا يشارك فيه، وذلك قولك: «هذا هو الشيء وما عداه فليس بشيء»، أي: إن ما عداه إذا قيس إليه