الشاة به من البعير، كيف ولا شبه هناك، وليس إذن في مجيء «الفرسن» بدل «الظلف» أمر أكثر من العضو نفسه.

ضرب ثالث، وهو الصّميم الخالص من «الاستعارة». وحدّه أن يكون الشبه مأخوذا من الصّور العقلية، وذلك كاستعارة «النّور» للبيان والحجة الكاشفة عن الحق، المزيلة للشكّ النافية للرّيب، كما جاء في التّنزيل من نحو قوله

عزّ وجلّ:

وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ [الأعراف: 157] وكاستعارة «الصراط» للدّين في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 5]، ووَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52]، فإنك لا تشكّ في أنه ليس بين «النور» والحجة ما بين «طيران الطائر» و «جرى الفرس» من الاشتراك في عموم الجنس، لأن «النور» صفة من صفات الأجسام محسوسة، والحجة كلام وكذا ليس بينهما ما بين «الرجل» و «الأسد» من الاشتراك في طبيعة معلومة تكون في الحيوان كالشجاعة. فليس الشبه الحاصل من «النور» في البيان والحجة ونحوهما، إلّا أنّ القلب إذا وردت عليه الحجّة صار في حالة شبيهة بحال البصر إذا صادف النور، ووجّهت طلائعه نحوه، وجال في معارفه (?) وانتشر، وانبثّ في المسافة التي يسافر طرف الإنسان فيها. وهذا كما تعلم شبه لست تحصل منه على جنس ولا على طبيعة وغريزة، ولا على هيئة وصورة تدخل في الخلقة، وإنما هو صورة عقلية.

واعلم أن هذا الضرب هو المنزلة التي تبلغ عندها الاستعارة غاية شرفها، ويتسع لها كيف شاءت المجال في تفنّنها وتصرّفها، وهاهنا تخلص لطيفة روحانية، فلا يبصرها إلا ذوو الأذهان الصافية، والعقول النافذة، والطباع السليمة، والنفوس المستعدّة لأن تعي الحكمة، وتعرف فصل الخطاب.

ولها هاهنا أساليب كثيرة، ومسالك دقيقة مختلفة، والقول الذي يجري مجرى القانون والقسمة يغمض فيها، إلا أنّ ما يجب أن تعلم في معنى التقسيم لها أنها على أصول:

أحدها: أن يؤخذ الشّبه من الأشياء المشاهدة والمدركة بالحواسّ على الجملة للمعاني المعقولة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015