وإن لم يكن معنا اسم آخر سابق حكم ما يعقل للكواكب، كالضمير في قوله «وهم قوم»، وذلك أنّ ما يفصح به الحال من قصده أن يدّعي للكواكب هذه المنزلة يجري مجرى التصريح بذلك. ألا ترى أنه لا يتّضح وجه المدح فيه إلا بدعوى أحوال الآدميين ومعارفهم للكواكب، لأنه يفاضل بينه وبينها في الأوصاف العقلية بدلالة قوله: «لكان أكرم معشرا»، ولن يتحصّل ثبوت وصف شريف معقول لها ولا الكرم على الوجه الذي يتعارف في الناس حتى تجعل كأنها تعقل وتميز، ولو كانت المفاضلة في النور والبهاء وعلوّ المحلّ وما شاكل ذلك، لكان لا يلزم حينئذ ما ذكرت. وحقّ القول في هذا القبيل أعني ما يدّعى فيه لما لا يعقل العقل فصل يفرد به، ولعله يجيء في موضعه بمشيئة الله وتوفيقه.
اعلم أنّ الاستعارة في الحقيقة هي هذا الضرب دون الأول، وهي أمدّ ميدانا، وأشدّ افتنانا، وأكثر جريانا، وأعجب حسنا وإحسانا، وأوسع سعة وأبعد غورا، وأذهب نجدا في الصّناعة وغورا، من أن تجمع شعبها وشعوبها، وتحصر فنونها وضروبها، نعم، وأسحر سحرا، وأملأ بكل ما يملأ صدرا، ويمتع عقلا، ويؤنس نفسا، ويوفر أنسا، وأهدى إلى أن تهدي إليك أبدا عذارى قد تخيّر لها الجمال، وعني بها الكمال وأن تخرج لك من بحرها جواهر إن باهتها الجواهر مدّت في الشرف والفضيلة باعا لا يقصر، وأبدت من الأوصاف الجليلة محاسن لا تنكر، وردّت
تلك بصفرة الخجل، ووكلتها إلى نسبتها من الحجر وأن تثير من معدنها تبرأ لم تر مثله، ثم تصوغ فيها صياغات تعطّل الحليّ، وتريك الحلي الحقيقي وأن تأتيك على الجملة بعقائل (?) يأنس إليها الدين والدنيا، وشرائف (?) لها من الشرف الرّتبة العليا، وهي أجلّ من أن تأتي الصفة على حقيقة حالها، وتستوفي جملة جمالها.
ومن الفضيلة الجامعة فيها أنها تبرز هذا البيان أبدا في صورة مستجدّة تزيد قدره نبلا، وتوجب له بعد الفضل فضلا، وإنّك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت بها فوائد حتى تراها مكرّرة في مواضع، ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن مفرد، وشرف منفرد، وفضيلة مرموقة، وخلابة موموقة.