تعاضدهم على المشركين، لأن كلمة التوحيد جامعة لهم، فلذلك كانوا كنفس واحدة. فهذا كله مما يعترف لك كل أحد فيه، بأنّ «اليد» على انفرادها لا تقع على شيء، فيتوهّم لها نقل من معنى إلى معنى على حدّ وضع الاسم واستئنافه.
فأمّا ما تكون «اليد» فيه للقدرة على سبيل التلويح بالمثل دون التصريح، حتى ترى كثيرا من الناس يطلق القول:
إنها بمعنى القدرة ويجريها مجرى اللفظ يقع لمعنيين، فكقوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67]، تراهم يطلقون «اليمين» بمعنى: القدرة، ويصلون إليه قول الشمّاخ (?): [من الوافر]
إذا ما راية رفعت لمجد … تلقّاها عرابة باليمين
كما فعل أبو العباس في الكامل، فإنه أنشد البيت ثم قال: «قال أصحاب المعاني: معناه: بالقوة»، وقالوا مثل ذلك في قوله تعالى: وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ.
وهذا منهم تفسير على الجملة، وقصد إلى نفي الجارحة بسرعة، خوفا على السامع من خطرات تقع للجهّال وأهل التشبيه جلّ الله وتعالى عن شبه المخلوقين ولم يقصدوا إلى بيان الطريقة والجهة التي منها يحصل على القدرة والقوة. وإذا تأمّلت علمت أنه على طريقة المثل.
وكما أنّا نعلم في صدر هذه الآية وهو قوله عز وجل: وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: 67]، أن محصول المعنى على القدرة، ثم لا نستجيز أن نجعل القبضة اسما للقدرة، بل نصير إلى القدرة من طريق التأويل والمثل، فنقول: إنّ المعنى والله أعلم أن مثل الأرض في تصرّفها تحت أمر الله وقدرته، وأنه لا يشذّ شيء مما فيها من سلطانه عزّ وجلّ، مثل الشيء يكون في قبضة الآخذ له منّا والجامع يده عليه.
كذلك حقّنا أن نسلك بقوله تعالى: مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ هذا المسلك، فكأنّ المعنى- والله أعلم- أنه عزّ وجلّ يخلق فيها صفة الطيّ حتى ترى كالكتاب المطويّ بيمين الواحد منكم، وخصّ «اليمين» لتكون أعلى وأفخم للمثل.