وقع في المنسأة، وصار كالشّريعة المنسوخة، تأنيث الفعل في قوله «إذا فضّت خواتمها»، ولو كان حكمه باقيا لذكّرت الفعل كما تذكّره مع الإظهار، ولاستقصاء هذا موضع آخر.
وينظر إلى هذا المكان قولهم: «ضربته سوطا»، لأنهم عبّروا عن الضربة التي هي واقعة بالسّوط باسمه، وجعلوا أثر السّوط سوطا. وتعلم على ذلك أن تفسيرهم له بقولهم: إن المعنى: «ضربته ضربة بسوط»، بيان لما كان عليه الكلام في أصله، وأنّ ذلك قد نسي ونسخ، وجعل كأن لم يكن، فاعرفه.
وأمّا إذا أريد باليد القدرة، فهي إذن أحنّ إلى موضعها الذي بدئت منه، وأصبّ بأصلها، لأنك لا تكاد تجدها تراد معها القدرة، إلا والكلام مثل صريح، ومعنى القدرة منتزع من «اليد» مع غيرها، أو هناك تلويح بالمثل.
فمن الصريح قولهم: «فلان طويل اليد»، يراد: فضل القدرة، فأنت لو وضعت القدرة هاهنا في موضع اليد أحلت، كما أنك لو حاولت في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد قالت له نساؤه صلّى الله عليه وسلّم: «أيّتنا أسرع لحاقا بك يا رسول الله»؟ فقال: «أطولكنّ يدا»، يريد السخاء والجود وبسط اليد بالبذل أن تضع موضع «اليد» شيئا مما أريد بهذا الكلام، خرجت من المعقول. وذلك أن الشّبه مأخوذ من مجموع الطويل واليد مضافا ذاك إلى هذه، فطلبه من «اليد» وحدها طلب الشيء على غير وجهه.
ومن الظاهر في كون الشبه مأخوذا ما بين «اليد»، وغيرها قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: 1]، المعنى: على أنهم أمروا باتّباع الأمر، فلما كان المتقدّم بين يدي الرّجل خارجا عن صفة المتابع له، ضرب جملة هذا الكلام مثلا للاتباع في الأمر، فصار النّهي عن التقدّم متعلّقا باليد نهيا عن ترك الاتباع. فهذا مما لا يخفى على ذي عقل أنه لا تكون فيه «اليد» بانفرادها عبارة عن شيء، كما قد يتوهّم أنها عبارة عن النعمة ومتناولة لها، كالوضع المستأنف، حتى كأن لم تكن قطّ اسم جارحة.
وهكذا قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم»، المعنى: وإن كان على قولك: «وهم عون على من سواهم»، فلا تقول: إن «اليد» بمعنى: العون حقيقة، بل المعنى: أن مثلهم مع كثرتهم في وجوب الاتّفاق بينهم، مثل اليد الواحدة فكما لا يتصوّر أن يخذل بعض أجزاء اليد بعضا، وأن تختلف بها الجهة في التصرف، كذلك سبيل المؤمنين في