فدلّوا عليه بالإصبع، لأن الأعمال الدقيقة له اختصاص بالأصابع، وما من حذق في عمل يد إلا وهو مستفاد من حسن تصريف الأصابع، واللّطف في رفعها ووضعها، كما تعلم في الخطّ والنقش وكلّ عمل دقيق. وعلى ذلك
قالوا في تفسير قوله عزّ وجلّ: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [القيامة: 4]، أي: نجعلها كخفّ البعير فلا تتمكّن من الأعمال اللّطيفة.
فكما علمت ملاحظة «الإصبع» لأصلها، وامتناع أن تكون مستأنفة بأنك رأيتها لا يصحّ استعمالها حيث يراد الأثر على الإطلاق، ولا يقصد الإشارة إلى حذق في الصنعة، وأن يجعل أثر الإصبع إصبعا كذلك ينبغي أن تعلم ذلك في «اليد» لقيام هذه العلّة فيها، أعني: إن لم يجعل أثر اليد يدا، لم تقع للنعمة مجرّدة من هذه الإشارات، وحيث لا يتصوّر ذلك كقولنا: «أقتني نعمة»، فاعرفه.
ويشبه هذا في أن عبّر عن أثر اليد والإصبع باسمهما، وضعهم الخاتم موضع الختم كقولهم: «عليه خاتم الملك»، و «عليه طابع من الكرم»، والمحصول أثر الخاتم والطابع، قال (?): [من الطويل]
وقلن حرام قد أخلّ بربّنا … وتترك أموال عليها الخواتم
وكذا قول الآخر (?): [من الوافر]
إذا قضّت خواتمها وفكّت … يقال لها دم الودج الذبيح
وأما تقدير الشيخ أبي عليّ في هذين البيتين حذف المضاف، وتأويله على معنى: «وتترك أموال عليها نقش الخواتم»، و «إذا فضّ ختم خواتمها»، فبيان لما يقتضيه الكلام من أصله، دون أن يكون الأمر على خلاف ما ذكرت من جعل أثر الخاتم خاتما. وأنت إذا نظرت إلى الشعر من جهته الخاصّة به، وذقته بالحاسّة المهيّأة لمعرفة طعمه، لم تشكّ في أن الأمر على ما أشرت لك إليه ويدلّ على أن المضاف قد