ونظير هذا قولهم في صفة راعي الإبل: «إنّ له عليه إصبعا»، أي: أثرا حسنا، وأنشدوا (?): [من الطويل]

ضعيف العصا، بادي العروق، ترى له … عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا

وأنشد شيخنا رحمه الله مع هذا البيت قول الآخر: [من الرجز] صلب العصا بالضّرب قد دمّاها أي: جعلها كالدّمى في الحسن. وكأن قوله: «صلب العصا»، وإن كان ضدّ قول الآخر: «ضعيف العصا»، فإنهما يرجعان إلى غرض واحد، وهو حسن الرّعية، والعمل بما يصلحها ويحسن أثره عليها. فأراد الأول بجعله «ضعيف العصا» أنه رفيق بها مشفق عليها، لا يقصد من حمل العصا أن يوجعها بالضرب من غير فائدة، فهو يتخيّر ما لان من العصيّ، وأراد الثاني أنه جيّد الضّبط لها عارف بسياستها في الرّعي، ويزجرها عن المراعي التي لا تحمد، ويتوخّى بها ما تسمن عليه، ويتضمّن أيضا أنه يمنعها عن التشرّد والتبدّد وأنها، لما عرفت من شدّة شكيمته وقوة عزيمته، وتنساق وتستوسق في الجهة التي يريدها، من غير أن يجدّد لها في كل حال ضربا.

وقال آخر: [من الرجز] صلب العصا جاف عن التّغزّل فهذا لم يبيّن ما بيّنه الآخر وأعود إلى الغرض فأنت الآن لا تشكّ أن «الإصبع» مشار بها إلى إصبع اليد، وأن وقوعها بمعنى الأثر الحسن، ليس على أنه وضع مستأنف في إحدى اللغتين. ألا تراهم لا يقولون:

«رأيت أصابع الدار»، بمعنى: آثار الدار، و «له إصبع حسنة»، و «إصبع قبيحة»، على معنى: أثر حسن وأثر قبيح ونحو ذلك، وإنّما أرادوا أن يقولوا: «له عليها أثر حذق»،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015