ومنها ذكر هيئات تدلّ على الصّفة من حيث كانت لا تكون إلا فيمن له الصّفة، كوصف الرّجل في حال الحرب بالابتسام وسكون الجوارح وقلّة الفكر، كقوله (?): [من الطويل]
كأنّ دنانيرا على قسماتهم … وإن كان قد شفّ الوجوه لقاء
وكذلك الجواد يوصف بالتّهلّل عند ورود العفاة، والارتياح لرؤية المجتدين، والبخيل بالعبوس والقطوب وقلّة البشر، مع سعة ذات اليد ومساعدة الدهر.
فأما الاتفاق في عموم الغرض، فما لا يكون الاشتراك فيه داخلا في الأخذ والسرقة والاستمداد والاستعانة، لا ترى من به حسّ يدّعي ذلك، ويأبى الحكم بأنه لا يدخل في باب الأخذ، وإنما يقع الغلط من بعض من لا يحسن التحصيل، ولا ينعم التأمّل، فيما يؤدّي إلى ذلك، حتى يدّعى عليه في المحاجّة أنه بما قاله قد دخل في حكم من يجعل أحد الشاعرين عيالا على الآخر في تصوّر معنى الشجاعة، وأنّها مما يمدح به، وأن الجهل مما يذمّ به، فأمّا أن يقوله صريحا، ويرتكبه قصدا، فلا.
وأمّا الاتفاق في وجه الدّلالة على الغرض، فيجب أن ينظر، فإن كان مما اشترك الناس في معرفته، وكان مستقرّا في العقول والعادات، فإنّ حكم ذلك، وإن كان خصوصا في المعنى، حكم العموم الذي تقدّم ذكره.
من ذلك التشبيه بالأسد في الشجاعة، وبالبحر في السخاء، وبالبدر في النور والبهاء، وبالصبح في الظهور والجلاء ونفي الالتباس عنه والخفاء. وكذلك قياس الواحد في خصلة من الخصال على المذكور بذلك والمشهور به والمشار إليه، سواء كان ذلك ممن حضرك في زمانك، أو كان ممن سبق في الأزمنة الماضية والقرون الخالية، لأن هذا مما لا يختص بمعرفته قوم دون قوم، ولا يحتاج في العلم به إلى رويّة واستنباط وتدبّر وتأمّل، وإنما هو في حكم الغرائز المركوزة في النفوس، والقضايا التي وضع العلم بها في القلوب.
وإن كان مما ينتهي إليه المتكلّم بنظر وتدبّر، ويناله بطلب واجتهاد، ولم يكن كالأوّل في حضوره إياه، وكونه في حكم ما يقابله الذي لا معاناة عليه فيه، ولا حاجة به إلى المحاولة والمزاولة والقياس والمباحثة والاستنباط والاستثارة، بل كان من دونه