وقال ابن بابك: [من الوافر]

فترت وما وجدت أبا العلاء … سوى فرط التوقّد والذّكاء

ولكشاجم، يقوله في علي بن سليمان الأخفش: [من الرمل]

ولقد أخطأ قوم زعموا … أنها من فضل برد في العصب

هو ذاك الذّهن أذكى ناره … والمزاج المفرط الحرّ التهب

ولا يكون قول المتنبي (?): [من الكامل]

ومنازل الحمّى الجسوم، فقل لنا: … ما عذرها في تركها خيراتها

أعجبتها شرفا فطال وقوفها … لتأمّل الأعضاء لا لأذاتها

من هذا في شيء، بأكثر من أن كلا القولين في ذكر الحمّى، وفي تطييب النفس عنها، فهو اشتراك في الغرض

والجنس، فأما في عمود المعنى وصورته الخاصة فلا، لأن المتنبي لم ينكر أنه ما يجده الممدوح حمّى كما أنكره الآخر، ولكنّه كأنه سأل نفسه: كيف اجترأت الحمّى على الممدوح، مع جلالته وهيبته، أم كيف جاز أن يقصد شيء إلى أذاه مع كرمه ونبله، وأن المحبّة من النفوس مقصورة عليه؟

فتحمّل لذلك جوابا، ووضع للحمّى فيما فعلته من الأذى عذرا، وهو تصريح ما اقتصر فيه على التعجّب في قوله (?): [من الوافر]

أيدري ما أرابك من يريب … وهل ترقى إلى الفلك الخطوب؟

وجسمك فوق همّة كلّ داء … فقرب أقلّها منه عجيب!

إلا أن ذلك الإيهام أحسن من هذا البيان، وذلك التعجّب موقوفا غير مجاب، أولى بالإعجاب، وليس كل زيادة تفلح، وكل استقصاء يملح.

ومن واضح هذا النوع وجيّده قول ابن المعتزّ: [من الكامل]

صدّت سرير وأزمعت هجري … وصغت ضمائرها إلى الغدر (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015