وهو منسوب إلى إنشاد الشّبلي، ويقال أيضا أن أبا العباس أخذ معناه في بيته من قول بعض الصّوفية وقيل له: «لم تصفرّ الشمس عند الغروب؟ فقال من حذر الفراق».

ومن لطيف هذا الجنس قول الصّولي: [من الكامل]

الرّيح تحسدني علي … ك، ولم أخلها في العدا

لمّا هممت بقبلة … ردت على الوجه الرّدا

وذلك أن الريح إذا كان وجهها نحو الوجه، فواجب في طباعها أن تردّ الرداء عليه، وأن تلفّ من طرفيه، وقد ادّعى أن ذلك منها لحسد بها وغيرة على المحبوبة، وهي من أجل ما في نفسها تحول بينه وبين أن ينال من وجهها.

وفي هذه الطريقة قوله (?): [من المتقارب]

وحاربني فيه ريب الزّمان … كأنّ الزّمان له عاشق

إلّا أنه لم يضع علّة ومعلولا من طريق النصّ على شيء، بل أثبت محاربة من الزمان في معنى الحبيب، ثم جعل دليلا على علّتها جواز أن يكون شريكا له في عشقه. وإذا حقّقنا لم يجب لأجل أن جعل العشق علّة للمحاربة، وجمع بين الزمان والريح، في ادعاء العداوة لهما أن يتناسب البيتان من طريق الخصوص والتفصيل.

وذاك أن الكلام في وضع الشاعر للأمر الواجب علّة غير معقول كونها علّة لذلك الأمر. وكون العشق علّة للمعاداة في المحبوب معقول معروف غير بدع ولا منكر. فإذا بدأ فادّعى أن الزمان يعاديه ويحاربه فيه، فقد أعطاك أنّ ذلك لمثل هذه العلّة وليس إذا ردّت الريح الرّداء، فقد وجب أن يكون ذلك لعلّة الحسد أو لغيرها، لأن ردّ الرداء شأنها، فاعرفه، فإن من شأن حكم المحصّل أن لا ينظر في تلاقي المعاني وتناظرها إلى جمل الأمور، وإلى الإطلاق والعموم، بل ينبغي أن يدقّق النظر في ذلك، ويراعى التناسب من طريق الخصوص والتفاصيل. فأنت في نحو بيت ابن وهيب تدّعى صفة غير ثابتة، وهي إذا ثبتت اقتضت مثل العلّة التي ذكرها، وفي نحو بيت الريح، تذكر صفة غير ثابتة حاصلة على الحقيقة، ثم تدّعي لها علة من عند نفسك وضعا واختراعا، فافهمه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015