ألا يا رياض الحزن من أبرق الحمى … نسيمك مسروق ووصفك منتحل
حكيت أبا سعد، فنشرك نشره … ولكن له صدق الهوى، ولك الملل
ونوع آخر، وهو أن يدّعي في الصفة الثانية للشيء أنه إنما كان لعلّة يضعها الشاعر ويختلقها، إمّا لأمر يرجع إلى تعظيم الممدوح، أو تعظيم أمر من الأمور، فمن الغريب في ذلك معنى بيت فارسيّ ترجمته (?): [من البسيط]
لو لم تكن نيّة الجوزاء خدمته … لما رأيت عليها عقد منتطق
فهذا ليس من جنس ما مضى، أعني ما أصله التشبيه، ثم أريد التناهي في المبالغة والإغراق والإغراب.
ويدخل في هذا الفن قول المتنبي (?): [من الكامل]
لم تحك نائلك السّحاب، وإنّما … حمّت به فصبيبها الرّحضاء
لأنه وإن كان أصله التشبيه، من حيث يشبّه الجواد بالغيث، فإنه وضع المعنى وضعا وصوّره في صورة خرج معها إلى ما لا أصل له في التشبيه، فهو كالواقع بين الضربين. وقريب منه في أن أصله التشبيه ثم باعده بالصنعة في تشبيهه وخلع عنه صورته خلعا، قوله: [من الوافر]
وما ريح الرّياض لها، ولكن … كساها دفنهم في الترب طيبا
ومن لطيف هذا النوع قول أبي العباس الضبّي: [من الكامل]
لا تركننّ إلى الفرا … ق وإن سكنت إلى العناق
فالشمس عند غروبها … تصفرّ من فرق الفراق
ادّعى لتعظيم شأن الفراق أنّ ما يرى من الصفرة في الشمس حين يرقّ نورها بدنوّها من الأرض، إنما هو لأنها تفارق الأفق الذي كانت فيه، أو الناس الذين طلعت عليهم وأنست بهم وأنسوا بها وسرّتهم رؤيتها.
ونوع منه قول الآخر: [من الوافر]
قضيب الكرم نقطعه فيبكي … ولا تبكي وقد قطع الحبيب