فلهذا يجفّ بعد اخضرار … قبل روض الوهاد روض الرّوابي
وكذا قوله يذكر أنّ الممدوح قد زاده، مع بعده عنه وغيبته، في العطايا على الحاضرين عنده اللّازمين خدمته (?): [من الخفيف]
لزموا مركز النّدى وذراه … وعدتنا عن مثل ذاك العوادي
غير أنّ الرّبى إلى سبل الأن … واء أدنى، والحظّ حظّ الوهاد
لم يقصد من الربى هاهنا إلى العلوّ، ولكن إلى الدنوّ فقط، وكذلك لم يرد بذكر الوهاد الضّعة والتّسفّل والهبوط، كما أشار إليه في قوله:
والسّيل حرب للمكان العالي (?) وإنما أراد أن الوهاد ليس لها قرب الرّبى من فيض الأنواء، ثم إنها تتجاوز الرّبى التي هي دانية قريبة إليها، إلى الوهاد التي ليس لها ذلك القرب.
ومن هذا النّمط، في أنه تخييل شبية بالحقيقة لاعتدال أمره، وأنّ ما تعلّق به من العلّة موجود على ظاهر ما ادّعى،
قوله (?): [من البسيط]
ليس الحجاب بمقص عنك لي أملا … إنّ السماء ترجّى حين تحتجب
فاستتار السماء بالغيم هو سبب رجاء الغيث الذي يعدّ في مجرى العادة جودا منها ونعمة، صادرة عنها، كما قال ابن المعتز (?): [من الخفيف]
ما ترى نعمة السماء على الأر … ض وشكر الرّياض للأمطار
وهذا نوع آخر، وهو دعواهم في الوصف هو خلقة في الشيء وطبيعة، أو واجب على الجملة، من حيث هو أنّ ذلك الوصف حصل له من الممدوح ومنه استفاده. وأصل هذا التشبيه، ثم يتزايد فيبلغ هذا الحدّ، ولهم فيه عبارات منها قولهم: «إن الشمس تستعير منه النور وتستفيد، أو تتعلّم منه الإشراق وتكتسب منه الإضاءة». وألطف ذلك أن قال: «تسرق»، و «أن نورها مسروق من الممدوح».
وكذلك يقال: «المسك يسرق من عرفه، وأنّ طيبه مسترق منه ومن أخلاقه»، قال ابن بابك: [من الطويل]