ازديادها، وكالأعيان الجامدة التي لا تنمي ولا تزيد، ولا تربح ولا تفيد، وكالحسناء العقيم، والشجرة الرّائقة لا تمتّع بجنى كريم.

هذا ونحوه يمكن أن يتعلّق به في نصرة التخييل وتفضيله، والعقل بعد على تفضيل القبيل الأول وتقديمه وتفخيم قدره وتعظيمه، وما كان العقل ناصره، والتحقيق شاهده، فهو العزيز جانبه، المنيع مناكبه، وقد قيل: «الباطل مخصوم وإن قضي له، والحقّ مفلج وإن قضي عليه». هذا، ومن سلّم أنّ المعاني المعرقة في الصدق، المستخرجة من معدن الحقّ، في حكم الجامد الذي لا ينمي، والمحصور الذي لا يزيد وإن أردت أن تعرف بطلان هذه الدعوى فانظر إلى قول أبي فراس: [من الوافر]

وكنّا كالسهام إذا أصابت … مراميها فراميها أصابا (?)

ألست تراه عقليّا عريقا في نسبه، معترفا بقوّة سببه، وهو على ذلك من فوائد أبي فراس التي هي أبو عذرها (?)، والسابق إلى إثارة سرّها.

واعلم أن «الاستعارة» لا تدخل في قبيل «التخييل»، لأن المستعير لا يقصد إلى إثبات معنى اللفظة المستعارة،

وإنما يعمد إلى إثبات شبه هناك، فلا يكون مخبره على خلاف خبره. وكيف يعرض الشكّ في أن لا مدخل للاستعارة في هذا الفنّ، وهي كثيرة في التنزيل على ما لا يخفى، كقوله عز وجل: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: 4]، ثم لا شبهة في أن ليس المعنى على إثبات الاشتعال ظاهرا، وإنما المراد إثبات شبهه. وكذلك قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «المؤمن مرآة المؤمن»، ليس على إثباته مرآة من حيث الجسم الصّقيل، لكن من حيث الشّبه المعقول، وهو كونها سببا للعلم بما لولاها لم يعلم، لأن ذلك العلم طريقه الرؤية، ولا سبيل إلى أن يرى الإنسان وجهه إلا بالمرآة وما جرى مجراها من الأجسام الصّقيلة، فقد جمع بين المؤمن والمرآة في صفة معقولة، وهي أن المؤمن ينصح أخاه ويريه الحسن من القبيح، كما تري المرآة الناظر فيها ما يكون بوجهه من الحسن وخلافه. وكذا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إياكم وخضراء الدّمن»، معلوم أن ليس القصد إثبات معنى ظاهر اللفظين، ولكن الشّبه الحاصل من مجموعهما، وذلك حسن الظاهر مع خبث الأصل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015