وإذا تقررت هذه الجملة فقوله:
فإنك كالليل الذي هو مدركي (?) إن حاولت فيه طريقة المبالغة فقلت: «فإنك الليل الذي هو مدركي»، لزمك لا محالة أن تعمد إلى صفة من أجلها تجعله الليل، كالشجاعة التي من أجلها جعلت الرجل الأسد.
فإن قلت: تلك الصفة الظّلمة، وإنّه قصد شدّة سخطه، وراعى حال المسخوط عليه، وتوهّم أن الدنيا تظلم في عينيه حسب الحال في المستوحش الشديد الوحشة، كما قال: [من الطويل] أعيدوا صباحي فهو عند الكواعب قيل لك: هذا التقدير، إن استجزناه وعملنا عليه، فإنا نحتمله، والكلام على ظاهره، وحرف التشبيه مذكور داخل على الليل كما تراه في البيت.
فأمّا وأنت تريد المبالغة، فلا يجيء لك ذلك، لأن الصفات المذكورة لا يواجه بها الممدوحون، ولا تستعار الأسماء الدالّة عليها لهم إلا بعد أن يتدارك وتقرن إليها أضدادها من الأوصاف المحبوبة، كقوله: [من البسيط] أنت الصّاب والعسل ولا تقول وأنت مادح: «أنت الصاب» وتسكت، وحتى إن الحاذق لا يرضى بهذا الاحتراز وحده حتى يزيد ويحتال في دفع ما يغشى النفس من الكراهة بإطلاق الصفة التي ليست من الصفات المحبوبة، فيصل بالكلام ما يخرج به إلى نوع من المدح، كقول المتنبي: [من الخفيف]
حسن، في وجوه أعدائه أق … بح من ضيفه، رأته السّوام (?)
بدأ فجعله حسنا على الإطلاق، ثم أراد أن يجعله قبيحا في عيون أعدائه، على