العادة في مدح الرجل بأن عدوّه يكرهه، فلم يقنعه ما سبق من تمهيده وتقدّم من احترازه في تلاقي ما يجنيه إطلاق صفة القبح، حتى وصل به هذه الزيادة من المدح، وهي كراهة سوامه لرؤية أضيافه، وحتى حصل ذكر القبح مغمورا بين حسنين، فصار كما يقول المنجّمون: «يقع النّحس مضغوطا بين سعدين، فيبطل فعله وينمحق أثره».

وقد عرفت ما جناه التهاون بهذا النحو من الاحتراز على أبي تمّام، حتى صار ما ينعى عليه منه أبلغ شيء في بسط لسان القادح فيه والمنكر لفضله، وأحضر حجّة للمتعصّب عليه. وذلك أنه لم يبال في كثير من مخاطبات الممدوح بتحسين ظاهر اللفظ، واقتصر على صميم التشبيه، وأطلق اسم الجنس الخسيس كإطلاق الشريف النّبيه، كقوله: [من الخفيف]

وإذا ما أردت كنت رشاء … وإذا ما أردت كنت قليبا (?)

فصكّ وجه الممدوح كما ترى بأنه رشاء وقليب، ولم يحتشم أن قال: [من الكامل]

ما زال يهذي بالمكارم والعلى … حتى ظننّا أنّه محموم (?)

فجعله يهذي وجعل عليه الحمّى، وظنّ أنه إذا حصل له المبالغة في إثبات المكارم له، وجعلها مستبدّة بأفكاره وخواطره، حتى لا يصدر عنه غيرها، فلا ضير أن يتلقّاه بمثل هذا الخطاب الجافي، والمدح المتنافي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015