ولست تجد هذا الضرب يكثر في شيء، ويستمرّ كثرته واستمراره في كلام القدماء، كقول خالد: «ما الإنسان، لولا اللسان، إلا صورة ممثلة، وبهيمة مهملة»، وقول الفضل بن عيسى الرقاشي: «سل الأرض فقل: من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا».
وإن أنت تتبّعته من الأثر وكلام النبي صلّى الله عليه وسلّم، تثق كلّ الثقة بوجودك له على الصّفة التي قدمت، وذلك كقول النبي عليه السلام: «الظّلم ظلمات يوم القيامة»، وقوله صلوات الله عليه: «لا تزال أمّتي بخير ما لم تر الغنى مغنما، والصدقة مغرما»، وقوله: «يا أيّها الناس؛ أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلّوا بالليل، والناس نيام، تدخلوا الجنّة بسلام».
فأنت لا تجد في جميع ما ذكرت لفظا اجتلب من أجل السجع، وترك له ما هو أحقّ بالمعنى منه وأبرّ به، وأهدى إلى مذهبه.
ولذلك أنكر الأعرابي حين شكا إلى عامل ألما بقوله: «حلأت (?) ركابي، وشقّقت ثيابي، وضربت صحابي»، فقال له العامل: «أو تسجع أيضا» إنكار العامل السجع حتى قال: «فكيف أقول؟»، وذاك أنّه لم يعلم أصلح لما أراد من هذه الألفاظ ولم يره بالسجع مخلّا بمعنى، أو محدثا في الكلام استكراها، أو خارجا إلى تكلّف واستعمال لما ليس بمعتاد في غرضه. وقال الجاحظ: «لأنه لو قال: «حلّئت إبلي» أو «جمالي» أو «نوقي» أو «بعراني» أو «صرمتي» (?) لكان لم يعبّر عن حقّ معناه، وإنما حلّئت ركابه، فكيف يدع «الركاب» إلى غير الركّاب؟ وكذلك قوله: «وشقّقت ثيابي، وضربت صحابي».
فقد تبين من هذه الجملة أن المعنى المقتضى اختصاص هذا النّحو بالقبول:
هو أنّ المتكلم لم يقد المعنى نحو التجنيس والسّجع، بل قاده المعنى إليهما، وعبر