هاربا من ظلام فعلك بي نح … وضياء الفتى الأغرّ الهجان (?)

لما كان يقال في الأمر لا يرجى له نجاح: «قد أظلم علينا هذا الأمر»، و «هذا أمر فيه ظلمة»، ثم أراد أن يبالغ في التباس وجه النّجح عليه في أمله، تخيّل كأنّ أمله شخص شديد السواد فقاس ليله به، كأنه يقول: «تفكّرت فيما أعلمه من الأشياء السود، فرأيت صورة أملي فيك زائدة على جميعها في شدّة السّواد، فجعلته قياسا في ظلمة ليلي الذي جبته».

ومن الباب، وهو حسن، قول ابن المعتزّ: [من الكامل]

لا تخلطوا الدّوشاب في قدح … بصفاء ماء طيّب البرد (?)

لا تجمعوا بالله ويحكم … غلظ الوعيد ورقّة الوعد

لما كان يقال: «أغلظ له القول»، ويوصف الجافي وكل من أساء وقال ما يكره بالغلظ، ويوصف كلام المحسن ومن يعمد إلى الجميل باللطافة، جعل الوعيد والوعد أصلا في الصفتين، وقاس عليهما.

فأما قول الآخر: [من الوافر]

شربت على سلامة أفتكين … شرابا صفوه صفو اليقين

فهو على الحقيقة لا يدخل في تشبيه الحقيقة بالمجاز، لأن الصفاء خلوص الشيء وخلوّه من شيء يغيّره عن صفته، إلا أنه من حيث يقع في الأكثر لما له بريق وبصيص، كان كأنه حقيقة في المحسوسات، ومجاز في المعقولات.

وأما قولهم: «هواء أرقّ من تشاكي الأحباب»، فمن الباب، لأن الرقّة في الهواء حقيقة وفي التشاكي مجاز. وهكذا قول أبي نواس في خلاعته: [من الرمل] حتّى هي في رقّة ديني لأن الرقّة من صفات الأجسام، فهي في الدّين مجاز.

ومما كأنه يدخل في هذا الجنس قول المتنبي: [من الخفيف]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015