يترشّفن من فمي رشفات … هنّ فيه أحلى من التّوحيد

والنفس تنبو عن زيادة القول عليه. وقد اقتدى به بعض المتأخرين في هذه الإساءة فقال: [من البسيط]

سواد صدغين من كفر يقابله … بياض خدّين من عدل وتوحيد

وأبعد ما يكون الشاعر من التوفيق، إذا دعته شهوة الإغراب إلى أن يستعير للهزل والعبث من الجدّ، ويتغزل بهذا الجنس.

ومما هو حسن جميل من هذا الباب، قول الصاحب كتب به إلى القاضي أبي الحسن: روي عن القاضي أنه قال: انصرفت عن دار الصاحب قبيل العيد، فجاءني رسوله بعطر الفطر، ومعه رقعة فيها هذان البيتان: [من الكامل]

يا أيّها القاضي الذي نفسي له … مع قرب عهد لقائه مشتاقه

أهديت عطرا مثل طيب ثنائه، … فكأنما أهدي له أخلاقه

وكون هذا التشبيه مما نحن فيه من الترجيح (?) أوضح ما يكون، فليس بخاف أنّ العادة أن يشبّه الثّناء بالعطر ونحوه ويشتقّ منه، وقد عكس كما ترى، وذلك على ادّعاء أن ثناءه أحقّ بصفة العطر وطيبه من العطر وأخصّ به، وأنه قد صار أصلا حتى إذا قيس نوع من العطر عليه، فقد بولغ في صفته بالطيب، وجعل له في الشرف والفضل على جنسه أوفر نصيب.

إذ قد عرفت الطريقة في جعل الفرع أصلا في «التمثيل» فارجع وقابل بينه وبين التشبيه الظاهر، تعلم أن حاله في الحقيقة مخالفة للحال ثمّ. وذلك أنك لا تحتاج في تشبيه البرق بالسيوف والسيوف بالبرق إلى تأويل أكثر من أنّ العين تؤدّي إليك من حيث الشكل واللون وكيفية اللمعان، صورة خاصّة تجدها في كل واحد من الشيئين على الحقيقة. ولا يمكننا أن نقول إن الثريا شبّهت باللجام المفضّض، وبعنقود الكرم المنوّر، وبالوشاح المفصّل، لتأويل كذا، بل ليس بأكثر من أنّ أنجم الثريا لونها لون الفضّة، ثم إن أجرامها في الصغر قريبة من تلك الأطراف المركّبة على سيور اللّجام، ثم إنها في الاجتماع والافتراق، على مقدار قريب من مواقع تلك الأطراف وكذا القول في: «العنقود»، فإن تلك الأنوار مشاكلة لها في البياض، وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015