أما ترى البرد قد وافت عساكره … وعسكر الحرّ كيف انصاع منطلقا
فالأرض تحت ضريب الثلج تحسبها … قد ألبست حبكا أو غشّيت ورقا
فانهض بنار إلى فحم كأنهما … في العين ظلم وإنصاف قد اتّفقا
جاءت ونحن كقلب الصّبّ حين سلا … بردا فصرنا كقلب الصبّ إذ عشقا (?)
المقصود: «فانهض بنار إلى فحم»، فإنه لما كان في «الحقّ»: «إنّه منير واضح لائح»، فتستعار له أوصاف الأجسام المنيرة، وفي «الظلم» خلاف ذلك، تخيّلهما شيئين لهما ابيضاض واسوداد، وإنارة وإظلام، فشبّه النّار والفحم بهما.
ومن هذا الباب قول ابن بابك (?): [من الطويل]
وأرض كأخلاق الكريم قطعتها … وقد كحل الليل السّماك فأبصرا
لما كانت الأخلاق توصف بالسعة والضيق، وكثر ذلك واستمرّ، توهّمه حقيقة، فقابل بين سعة الأرض التي هي سعة حقيقية وأخلاق الكريم.
ومثله قول أبي طالب المأموني: [من الكامل]
وفلا كآمال يضيق بها الفتى … لا تصدق الأوهام فيها قيلا
أقريتها بشملة تقرى الفلا … عنقا، وتقريها الفلاة نحولا
قاس الفلا في السعة وهي حقيقة فيها، على الآمال، وهي إذا وصفت بالسعة كان مجازا بلا شبهة، ولكن لما كان يقال: «آمال طوال» و «وآمال لا نهاية لها» و «واتسعت آماله»، وأشباه ذلك، صارت هذه الأوصاف كأنها موجودة فيها من طريق الحسّ والعيان.
وعلى ذكر «الأمل»، فمن لطيف ما جاء في التشبيه به على هذا الحدّ، إن لم يكن في معنى السعة والامتداد، ولكن في الظّلمة والاسوداد، قول ابن طباطبا: [من الخفيف]
ربّ ليل كأنّه أملي في … ك وقد رحت عنك بالحرمان
جبته والنّجوم تنعس في الأف … ق ويطرفن كالعيون الرّواني (?)