مذهب، وذلك أنه لما كان وقوف العاقل على بطلان الباطل، واطّلاعه على عوار البدعة، وخرقه الستر عن فضيحة الشّبهة، يزيد الحق نبلا في نفسه، وحسنا في مرآة عقله، جعل هذا الأصل من المعقول مثالا للمشاهد المبصر هناك، إلا أنه على ذلك لا يخرج من أن يكون خارجا عن الظاهر، لأن الظاهر أن يمثّل المعقول في ذلك بالمحسوس، كما فعل البحتري في قوله (?): [من الطويل]
وقد زادها إفراط حسن جوارها … خلائق أصفار من المجد خيّب
وحسن دراريّ النجوم بأن ترى … طوالع في داج من اللّيل غيهب
فبك مع هذا الوجه حاجة إلى مثل ما مضى من تنزيل السّنّة والبدعة منزلة ما يقبل اللون، ويكون له في رأي العين منظر المشرق المتبسّم، والأسود الأقتم، حتى يراد أنّ لون هذا يزيد في بريق ذاك وبهائه وحسنه وجماله، وفي القطعة التي هذا البيت منها غيرها مما مذهبه المذهب الأول، وهو: [من الخفيف]
ربّ ليل قطعته كصدود … أو فراق ما كان فيه وداع
موحش كالثّقيل تقذى به العي … ن وتأبى حديثه الأسماع (?)
وكأنّ النجوم البيت، وبعده (?): [من الخفيف]
مشرقات كأنّهنّ حجاج … يقطع الخصم والظّلام انقطاع
ومما حقّه أن يعدّ في هذا الباب قول القائل (?) ضضض: [من الطويل]
كأنّ انتضاء البدر من تحت غيمة … نجاء من البأساء بعد وقوع
وذلك أن العادة أن يشبّه المتخلص من البأساء بالبدر الذي ينحسر عنه الغمام، والشّبه بين البأساء والغمام والظلماء من طريق العقل، لا من طريق الحسّ.
وأوضح منه في هذا قول ابن طباطبا (?) ضضض: [من الرجز]
صحو وغيم وضياء وظلم … مثل سرور شابه عارض غمّ
ومن جيّد ما يقع في هذا الباب قول التنوخيّ في قطعة، وهي قوله: [من البسيط]