من الأنواع التي لها فضل اختصاص بسواد اللون، فصار تشبيهه النّجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع، على قياس تشبيههم النجوم في الظلام ببياض الشيب في سواد الشباب، أو بالأنوار وائتلاقها بين النّبات الشديد الخضرة، فهذا كلّه هاهنا، كأنه ينظر إلى طريقة قوله:
وبدا الصباح كأنّ غرّته في بناء التشبيه على تأويل هو غير الظاهر، إلا أنّ التأويل هناك أنه جعل في وجه الخليفة زيادة من النور والضياء يبلغ بها حال الصباح أو يزيد والتأويل هاهنا أنه خيّل ما ليس بمتلوّن كأنه متلوّن، ثم بنى على ذلك.
ومن هذا الباب قول الآخر (?): [من الكامل]
ولقد ذكرتك والظّلام كأنه … يوم النّوى وفؤاد من لم يعشق
لما كانت الأوقات التي تحدث فيها المكاره توصف بالسواد فيقال: «اسودّ النهار في عيني»، و «أظلمت الدنيا عليّ»، جعل يوم النوى كأنه أعرف وأشهر بالسواد من الظلام، فشبّه به، ثم عطف عليه «فؤاد من لم يعشق»، تظرّفا وإتماما للصنعة. وذلك أن الغزل يدّعي القسوة على من لم يعرف العشق، والقلب القاسي يوصف بشدّة السواد، فصار هذا القلب عنده أصلا في الكدرة والسواد فقاس عليه.
وعلى ذلك قول العامّة: «ليل كقلب المنافق» أو «الكافر»، إلا أنّ في هذا شوبا من الحقيقة، من حيث يتصوّر في القلب أصل السواد، ثم يدّعى الإفراط، ولا يدّعى في «البدعة» نفس السواد، لأنها ليس مما يتلوّن، لأن اللون من صفات الجسم. فالذي يساويه في الشبه المساواة التامّة قولهم: «أظلم من الكفر»، كما قال ابن العميد في كتاب يداعب فيه، ويظهر التظلّم من هلال الصوم ويدعو على القمر فقال: «وأرغب إلى الله تعالى في أن يقرّب على القمر دوره، وينقص مسافة فلكه»، ثم قال بعد فصل: «ويسمعني النّعرة في قفا شهر رمضان، ويعرض عليّ هلاله أخفى من السحر وأظلم من الكفر». وإن تأوّلت في قوله:
سنن لاح بينهنّ ابتداع أنه أراد معنى قولهم: إن سواد الظلام يزيد النجوم حسنا وبهاء، كان له