الكتاب، أنشده شاهدا على إعمال «فعول» عمل الفعل، وذلك قوله: «هجوم عليها نفسه»، فنفسه منصوب بهجوم، على أنه من «هجم» متعدّيا نحو: «هجم عليها نفسه»، أي: طرحها عليها، كأنه أراد أن يصف الظّليم في خوفه بأمرين متضادّين، بأن يبالغ في الانكباب على البيض فعل من شأنه اللزوم والثبات وأن يثيره عنها الشيء اليسير، نحو أن يقع بصره على الشخص من بعد، فعل من كان مستوفزا في مكانه غير مطمئنّ ولا موطّن نفسه على السّكون، وقوله: «يرم في عينيه بالشّبح»، كلام ليس لحسنه نهاية.
وقد قال ابن المعتزّ، فعكس هذا التشبيه، فشبّه حركة الخباء بالطائر، إلا أنه راعى أن يكون هناك صفة مخصوصة، فشرط في الطائر أن يكون مقصوصا، وذلك قوله: [من الخفيف]
ورفعنا خباءنا تضرب الري … ح حشاه كالجادف المقصوص
وأخرجه إلى هذا الشرط: أنه أراد حركة خباء ثابت غير مقوّض، إلا أن الريح تقع في جوفه فيتحرك جانباه على توال، كما يفعل المقصوص إذا جدف، وذلك أن يردّ جناحيه إلى خلفه فيتحرك جانباه. فحصل له أمران: أحدهما أن الموفور الجناح يبسط جناحيه في الأكثر، وذلك إذا صفّ في طيرانه، فلا يدوم ضربه بجناحيه، والمقصوص لقصوره عن البسط يديم ضربهما والثاني تحريك الجناحين إلى خلف.
وهذا كثير جدّا، وتتبّعه في كل باب ونوع من التشبيه يشغل عن الغرض من هذه الموازنة.
وإنما يمتنع هذا القلب في طرفي التشبيه، لسبب يعرض في البين فيمنع منه، ولا يكون من صميم الوصف المشترك بين الشيئين المشبّه أحدهما بالآخر.
فمن ذلك، وهو أقواه فيما أظنّ، أن يكون بين الشيئين تفاوت شديد في الوصف الذي لأجله تشبّه، ثم قصدت أن تلحق الناقص منهما بالزائد، مبالغة ودلالة على أنه يفضل أمثاله فيه.
بيان هذا: أن هاهنا أشياء هي أصول في شدة السّواد كخافية الغراب، والقار، ونحو ذلك، فإذا شبّهت شيئا بها كان طلب العكس في ذاك عكسا لما يوجبه العقل ونقضا للعادة، لأن الواجب أن يثبت المشكوك فيه بالقياس على المعروف، لا أن يتكلّف في المعروف تعريف بقياسه على المجهول وما ليس بموجود على الحقيقة.
فأنت إذا قلت في شيء: «هو كخافية الغراب»، فقد أردت أن تثبت له سوادا زائدا