على ما يعهد في جنسه، وأن تصحّح زيادة هي مجهولة له، وإذا لم يكن هاهنا ما يزيد على خافية الغراب في السواد، فليت شعري ما الذي تريد من قياسه على غيره فيه، ولهذا المعنى ضعف بيت البحتري: [من الطويل]

على باب قنّسرين والليل لاطخ … جوانبه من ظلمة بمداد

وذاك أن «المداد» ليس من الأشياء التي لا مزيد عليها في السواد، كيف؟ وربّ مداد فاقد اللون، والليل بالسواد وشدّته أحقّ وأحرى أن يكون مثلا، ألا ترى إلى ابن الرومي حيث قال: [من السريع]

حبر أبي حفص لعاب الليل … يسيل للإخوان أيّ سيل

فبالغ في وصف الحبر بالسواد حين شبّهه بالليل، وكأن البحتري نظر إلى قول العامّة في الشيء الأسود «هو كالنّقس»، ثم تركه للقافية إلى «المداد».

فإن قلت: فينبغي على هذا أن لا يجوز تشبيه الصّبح بغرّة الفرس لأجل أنّ الصبح بالوصف الذي لأجله شبّه الغرة به أخصّ، وهو فيه أظهر وأبلغ، والتفاوت بينهما كالتفاوت بين خافية الغراب والقار وبين ما يشبّه بهما.

فالجواب: أن الأمر، وإن كان كذلك، فإنّ تشبيه غرّة الفرس بالصبح حيث ذكرت، لم يقع من جهة المبالغة في وصفها بالضياء والانبساط وفرط التلألؤ، وإنما قصد أمر آخر: وهو وقوع منير في مظلم، وحصول بياض في سواد، ثم البياض صغير قليل بالإضافة إلى السواد، وأنت تجد هذا الشّبه على هذا الحدّ في الأصل، فإذا عكست فقلت: «كأنّ الصّبح عند ظهور أوّله في الليل غرّة في فرس أدهم»، لم تقع في مناقضة كما أنك لو شبّهت الصّبح في الظلام بقلم بياض على ديباج أسود لم تخرج عن الصواب وعلى نحو من ذلك قول ابن المعتزّ: [من الطويل]

فخلت الدّجى والفجر قد مدّ خيطه … رداء موشّى بالكواكب معلما

فالعلم في هذا الرداء هو الفجر بلا شبهة. وله، وهو صريح ما أردت: [من البسيط]

والليل كالحلّة السّوداء لاح به … من الصّباح طراز غير مرقوم

وإن كان التفاوت في المقدار بين الصّبح والطّراز في الامتداد والانبساط شديدا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015