خدم المعاني والمصرّفة في حكمها، وكانت المعاني هي المالكة سياستها، المستحقّة طاعتها. فمن نصر اللفظ على المعنى كان كمن أزال الشيء عن جهته، وأحاله عن طبيعته، وذلك مظنّة من الاستكراه، وفيه فتح أبواب العيب، والتّعرّض للشّين.
ولهذه الحالة كان كلام المتقدّمين الذين تركوا فضل العناية بالسجع، ولزموا سجيّة الطبع، أمكن في العقول، وأبعد من القلق، وأوضح للمراد، وأفضل عند ذوي التّحصيل، وأسلم من التفاوت، وأكشف عن الأغراض، وأنصر للجهة التي تنحو نحو العقل، وأبعد من التّعمّد الذي هو ضرب من الخداع بالتزويق، والرضى بأن تقع النقيصة في نفس الصّورة. وإنّ الخلقة، إذا أكثر فيها من الوشم والنقش، وأثقل صاحبها بالحلي والوشي، قياس الحلي على السيف الدّدان (?)، والتوسّع في الدعوى بغير برهان، كما قال: [من الطويل]
إذا لم تشاهد غير حسن شياتها … وأعضائها فالحسن عنك مغيّب (?)
وقد تجد في كلام المتأخرين الآن كلاما حمل صاحبه فرط شغفه بأمور ترجع إلى ما له اسم في البديع، إلى أن ينسى أنّه يتكلم ليفهم، ويقول ليبين، ويخيّل إليه أنه إذا جمع بين أقسام البديع في بيت فلا ضير أن يقع ما عناه في عمياء، وأن يوقع السامع من طلبه في خبط عشواء، وربّما طمس بكثرة ما يتكلّفه على المعنى وأفسده، كمن ثقّل
العروس بأصناف الحلي حتى ينالها من ذلك مكروه في نفسها (?).