أما «التجنيس» فإنك لا تستحسن تجانس اللفظتين إلا إذا كان وقع معنييهما من العقل موقعا حميدا، ولم يكن مرمى الجامع بينهما مرمى بعيدا، أتراك استضعفت تجنيس أبي تمام في قوله: [من الكامل]
ذهبت بمذهبه السّماحة فالتوت … فيه الظّنون: أمذهب أم مذهب (?)
واستحسنت تجنيس القائل: [من الرجز] حتى نجا من خوفه وما نجا (?) وقول المحدث: [من الخفيف]
ناظراه فيما جنى ناظراه … أو دعاني أمت بما أو دعاني (?)
لأمر يرجع إلى اللفظ؟ أم لأنك رأيت الفائدة ضعفت عن الأوّل وقويت في الثاني؟ ورأيتك لم يزدك «بمذهب ومذهب» على أن أسمعك حروفا مكررة، تروم فائدة فلا تجدها إلا مجهولة منكرة، ورأيت الآخر قد أعاد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنه لم يزدك وقد أحسن الزيادة ووفّاها، فبهذه السريرة
صار «التجنيس» - وخصوصا المستوفى منه المتّفق في الصورة- من حلى الشّعر، ومذكورا في أقسام البديع.
فقد تبين لك أن ما يعطي «التجنيس» من الفضيلة، أمر لم يتمّ إلا بنصرة المعنى، إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه مستحسن، ولما وجد فيه معيب مستهجن. ولذلك ذمّ الاستكثار منه والولوع به.
وذلك أن المعاني لا تدين في كل موضع لما يجذبها التجنيس إليه، إذ الألفاظ