أردت. ولئن كان المتنبي قد زاد على الأوّل، فليس تلك الزيادة من حيث وضع الشبه على تركيب شكلين، ولكن من جهة أخرى، وهي الإغراق في الوصف بالنحول وجمع ذلك للخلّين معا، ثم إصابة مثال له ونظير من الخطّ. فاعرف ذلك، ولا تظنّ أن قصدي المفاضلة بين البيتين من حيث القول في السابق والمسبوق، والأخذ والسرقة، فتحسب أني خالفت القاضي فيما حكم به.
اعلم أنّي قد عرّفتك أن كل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلا، وثبتّ وجه الفرق بينهما.
وهذا أصل إذا اعتبرته وعرضت كلّ واحد منهما عليه فوجدته يجيء في التشبيه مجيئا حسنا، وينقاد القياس فيه انقيادا لا تعسّف فيه، ثم صادفته لا يطاوعك في التمثيل تلك المطاوعة، ولا يجري في عنان مرادك ذلك الجري
ظهر لك نوع من الفرق والفصل بينهما غير ما عرفت، وانفتح منه باب إلى دقائق وحقائق، وذلك جعل الفرع أصلا والأصل فرعا، وهو إذا استقريت التشبيهات الصريحة وجدته يكثر فيها.
وذلك نحو أنهم يشبّهون الشيء فيها بالشيء في حال. ثم يعطفون على الثاني فيشبّهونه بالأول، فترى الشيء مشبّها مرّة، ومشبّها به أخرى.
فمن أظهر ذلك أنك تقول في النجوم: «كأنها مصابيح»، ثم تقول في حالة الأخرى في المصابيح: «كأنها نجوم» ومثله في الظهور والكثرة تشبيه الخدّ بالورد، والورد بالخدّ وتشبيه الرّوض المنوّر بالوشي المنمنم ونحو ذلك، ثم يشبّه النقش والوشي في الحلل بأنوار الرياض وتشبّه العيون بالنرجس، ثم يشبّه النرجس بالعيون، كقول أبي نواس: [من الطويل]
لدى نرجس عضّ القطاف كأنّه … إذا ما منحناه العيون عيون (?)