لا يكون كقوله (?): [من البسيط]
إني رأيتك في نومي تعانقني … كما تعانق لام الكاتب الألفا
فإن هذا قد أدّى إليك شكلا مخصوصا لا يتصوّر في كل واحد من المذكورين على الانفراد بوجه، وصورة لا تكون مع التفريق وأما المتنبي فأراك الشيئين في مكان واحد وشدّد في القرب بينهما، وذاك أنه لم يعرض لهيئة العناق ومخالفتها صورة الافتراق، وإنما عمد إلى المبالغة في فرط النّحول، واقتصر من بيان حال المعانقة على ذكر الضّمّ مطلقا والأوّل لم يعن بحديث الدقّة والنحول، وإنما عني بأمر الهيئة التي تحصل في العناق خاصّة، من انعطاف أحد الشكلين على صاحبه، والتفاف الحبيب بمحبّه، كما قال (?): [من المتقارب] لفّ الصّبا بقضيب قضيبا
وأجاد وأصاب الشبه أحسن إصابة، لأن خطّي اللام والألف في «لا» ترى رأسيهما في جهتين، وتراهما قد تماسّا من الوسط، وهذه هيئة المعتنقين على الأمر بالمعروف، فأما قصد المتنبي فليس بصفة عناق على الحقيقة، وإنما هو تضامّ وتلاصق، وهو بنحو قوله: [من البسيط]
ضممته ضمّة عدنا بها جسدا … فلو رأتنا عيون ما خشيناها
أشبه، لأن القصد في مثله شدّة الالتصاق، من غير تعريج على هيئة الاعتناق.
وذهب القاضي في بيت المتنبي إلى أنه كأنه معنى مفرد غير مأخوذ من قوله:
كما تعانق لام الكاتب الألفا وقال: «ولئن كان أخذه، كما يقولون، فليس عليه معتب، لأنّ التعب في نقله ليس بأقلّ من التعب في ابتدائه».
وهذا التفضيل والتفصيل من قول القاضي ليس قادحا في غرضي، لأنّي أردت أن أريك مثالا في وضع التشبيه على الجمع والتفريق، وأجعل البيتين معيارا فيما