حيث يقال: إنه إذا أخذه النعاس فتمطّى ثم خامر النوم، فإن الهيئة الحاصلة له من جدّه في التمطّي تبقى له فليس
ببالغ مبلغ قوله: «مواصل لتمطّيه». وتقييده من بعد بأنه «من الكسل»، واحتياطه قبل بقوله: «فيه لوثته»:
وشبيه بالأوّل في الاستقصاء قول ابن الرومي (?): [من الطويل]
كأنّ له في الجوّ حبلا يبوعه … إذا ما انقضى حبل أتيح له حبل
يعانق أنفاس الرّياح مودّعا … وداع رحيل لا يحطّ له رحل
فاشتراطه أن يكون له بعد الحبل الذي ينهى ذرعه حبل آخر يخرج من بوع الأوّل إليه، كقوله: «مواصل لتمطّيه من الكسل»، في استيفاء الشّبه، والتنبيه على استدامته، لأنه إذا كان لا يزال يبوع حبلا لم يقبض باعه ولم يرسل يده، وفي ذلك بقاء شبه المصلوب على الاتّصال، فاعرفه.
واعلم أن من حقّك أن لا تضع الموازنة بين التشبيهين في حاجة أحدهما إلى زيادة من التأمل على وقتنا هذا، ولكن تنظر إلى حالهما في قوى العقل ولم تسمع بواحد منهما، فتعلم أن لو أرادهما مريد، أو اتّفقا له جميعا ولم يكن قد سمع بواحد منهما أيّهما كان يكون أسهل عليه، وأسرع إليه، وأعطى بيديه، وأيّهما تجده أدلّ على ذكاء من تسمعه منه، وأرجى لتخرج من يقوله. وذلك أن تقابل بين تشبيه النّجوم بالمصابيح والمصابيح بها، وبين تشبيه سلّ السيوف بعقائق البرق وتشبيهها بسلّ السيوف، فإنك تعلم أن الأوّل يقع في نفس الصّبي أوّل ما يحسّ بنفسه، وأن الثاني لا يجيب إجابته، ولا يبذل طاعته وكذلك تعلم أنّ تشبيه الثريا بنور العنقود، لا يكون في قرب تشبيهها بتفتّح النّور وأنّ تشبيه الشمس بالمرآة المجلوّة كما مضى، يقع في نفس الغرّ المعاميّ والصبيّ، ولا يقع تشبيهها بالمرآة في كفّ الأشلّ إلا في قلب المميّز الحصيف، وتشبيهها في حركتها تلك بمرآة تضطرب على الجملة، من غير أن تجعل في كفّ الأشلّ، قد يقع لمن لا يقع له بهذا التقييد، وذلك لما مضى من حاجته إلى الفكرة في حال الشمس، وأنّ حركتها دائمة متصلة، ثم طلب متحرّك حركة غير اختيارية، وجعل حركة المرآة صادرة عن تلك الحركة ومأسورة في حكمها دائما.