ونظيره قول الآخر، يصف الفصيل وهو يثب على الناقة ويعلوها ويلقي نفسه عليها، لأنّها قد بركت فلا يتمكن من أن يرتضع، فهو يفعل ذلك لتثور الناقة: [من الرجز]

يقتاعها كلّ فصيل مكرم … كالحبشيّ يرتقي في السلّم (?)

«يقتاعها» «يفتعل» من قولهم: «قاع البعير الناقة، إذا ضربها، يقوعها قوعا»، أراد يعلوها ويثبت عليها، وشبّه

بالحبشي في هذه الحالة المخصوصة، لما يكون له عند ارتقائه في السلّم من تصعّد بعض أعضائه وتسفّل بعض، على اضطراب مفرط وغيثرة شديدة، وذلك كما ترى في أنه اختلاف في جهات أبعاض الجسم على غير نظام مضبوط، كحركات الفصيل في الماء وقد خلا له.

وقد عرّفتك أن الاختلاف في جهات الحركات الواقعة في أبعاض الجسم، كالتركيب بين أوصاف مختلفة، ليحصل من مجموعها شبه خاصّ.

واعلم أنّ هذه الهيئات يغلب عليها الحكم المستفاد من العبرة الثانية، وذلك أن كل هيئة من هيئات الجسم في حركاته إذا لم يتحرك في جهة واحدة، فمن شأنها أن تقلّ وتعزّ في الوجود، فيباعدها ذلك أيضا من أن تقع في الفكر بسرعة، زيادة مباعدة مضمومة إلى ما يوجب حديث التركيب والتفصيل فيها،. ألا ترى أن الهيئة التي اعتمدها في تشبيه البرق بالمصحف، ليست تكون إلا في النادر من الأحوال، وبعد عمد من الإنسان، وخروج عن العادة، وبقصد خاصّ أو عبث غالب على النفس غير معتاد؟ وهكذا حال الفصيل في وثوبه على أمّه ليثيرها وانسيابه في الماء ونزوه، كما توجبه رؤيته الماء خاليا. وطباع الصّغر والفصيلة مما لا يرى إلا نادرا، وليس الأمر في هذا النحو كالأمر في حركة الدّولاب والرّحا والسهم ونحو ذلك من الحركات المعتادة التي تقع في مصارف العيون كثيرا.

ومما يقوى فيها أن يكون سبب غرابته قلّة رؤية العيون له، ما مضى من تشبيه الشمس بالمرآة في كفّ الأشلّ، وذلك أن الهيئة التي تراها في حركة المرآة إذا كانت في كفّ الأشلّ، مما يرى نادرا وفي الأقلّ، فربما قضى الرجل دهره ولا يتفق له أن يرى مرآة في يد مرتعش. هذا، وليس موضع الغرابة من التشبيه دوام حركة المرآة في يد الأشلّ فقط، بل النكتة والمقصود فيما يتولّد من دوام تلك الحركة من الالتماع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015