تجده عند غيره علما يخرجك عن نقيصة التّقليد، ويرفعك عن طبقة المقتصر على الإشارة، دون البيان والإفصاح بالعبارة.
واعلم أن العبرة الثانية التي هي مرور الشيء على العيون، هو معنى واحد لا يتكثّر، ولكنه يقوى ويضعف كما مضى. وأما العبرة الأولى، وهي التفصيل، فإنها في حكم الشيء يتكثر وينضمّ فيه الشيء إلى الشيء. ألا ترى أن أحد التفصيلين يفضل الآخر بأن تكون قد نظرت في أحدهما إلى ثلاثة أشياء، أو ثلاث جهات، وفي الآخر إلى شيئين أو جهتين؟ والمثال في ذلك قول بشّار (?): [من الطويل]
كأنّ مثار النّفع فوق رءوسنا … وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
مع قول المتنبي (?): [من الطويل]
يزور الأعادي في سماء عجاجة … أسنّته في جانبيها الكواكب
أو قول كلثوم بن عمرو (?): [من الكامل]
تبني سنابكها من فوق أرؤسهم … سقفا كواكبه البيض المباتير
التفصيل في الأبيات الثلاثة كأنه شيء واحد، لأن كل واحد منهم يشبّه لمعان السيوف في الغبار بالكواكب في الليل، إلّا أنك تجد لبيت بشّار من الفضل، ومن كرم الموقع ولطف التأثير في النفس، ما لا يقلّ مقداره، ولا يمكن إنكاره، وذلك لأنه راعى ما لم يراعه غيره، وهو أن جعل الكواكب تهاوى، فأتمّ الشّبه، وعبّر عن هيئة السيوف وقد سلّت من الأغماد وهي تعلو وترسب، وتجيء وتذهب، ولم يقتصر