والضخامة، لم يحتجّ في تشبيهه بالفيل أو الجبل أو الجمل أو نحو ذلك إلى شيء من الفكر، بل يحضره ذلك حضور ما يعرف بالبديهة.
والمقابلات التي تريك الفرق بين الجملة والتفصيل كثيرة، ومن اللّطيف في ذلك أن تنظر إلى قوله (?): [من المتقارب]
يتابع لا يبتغي غيره … بأبيض كالقبس الملتهب
ثم تقابل به قوله (?): [من الطويل]
جمعت ردينيّا كأنّ سنانه … سنا لهب لم يتّصل بدخان
فإنك ترى بينهما من التفاوت في الفضل ما تراه، مع أن المشبّه به في الموضعين شيء واحد وهو شعلة النار، وما
ذاك إلا من جهة أن الثاني قصد إلى تفصيل لطيف، ومرّ الأوّل على حكم الجمل.
ومعلوم أن هذا التفصيل لا يقع في الوهم في أول وهلة، بل لا بدّ فيه من أن تتثبّت وتتوقّف وتروّى وتنظر في حال كل واحد من الفرع والأصل، حتى يقوم حينئذ في نفسك أن في الأصل شيئا يقدح في حقيقة الشبه، وهو الدّخان الذي يعلو رأس الشعلة، وأنه ليس في رأس السنان ما يشبه ذلك، وأنه إذا كان كذلك، كان التحقيق وما يؤدّي الشيء كما هو، أن تستثني الدّخان وتنفي اتصاله باللهب، وتقصر التّشبيه على مجرّد السّنا، وتصوّر السنان فيه مقطوعا عن الدخان. ولو فرضت أن يقع هذا كلّه على حدّ البديهة من غير أن يخطر ببالك ما ذكرت لك، قدّرت محالا لا يتصوّر، كما أنك لو قدّرت أن يكون تشبيه الثّريا بعنقود ملّاحية حين نوّر، بمنزلة تشبيهها بالنور على الإطلاق، أو تفتّح نور فقط، كما قال (?): [من الطويل]
كأنّ الثّريا في أواخر ليلها … تفتّح نور ..............