مستقيما، مذهبا قويما، وطريقة تنقاد، وتبيّنت لها الغاية فيما ترتاد؟ فقد قيل: «قرّة العين، وسعة الصدر، وروح القلب، وطيب النفس، من أربعة أمور:

الاستبانة للحجّة، والأنس بالأحبّة، والثّقة بالعدّة، والمعاينة للغاية». وقال الجاحظ في أثناء فصل يذكر فيه ما في الفكر والنظر من الفضيلة: «وأين تقع لذّة البهيمة بالعلوفة، ولذّة السّبع بلطع الدّم وأكل اللحم، من سرور الظفر بالأعداء، ومن انفتاح باب العلم بعد إدمان قرعه، وبعد، فإذا مدّت الحلبات لجري الجياد، ونصبت الأهداف لتعرف فضل الرّماة في الإبعاد والسّداد، فرهان العقول التي تستبق، ونضالها الذي تمتحن قواها في تعاطيه، هو الفكر والرويّة والقياس والاستنباط».

ولن يبعد المدى في ذلك، ولا يدقّ المرمى إلا بما تقدم من تقرير الشّبه بين الأشياء المختلفة، فإنّ الأشياء المشتركة في الجنس، المتفقة في النوع، تستغني بثبوت الشّبه بينها، وقيام الاتفاق فيها، عن تعمّل وتأمل في إيجاب ذلك لها وتثبته فيها، وإنما الصّنعة تستدعي وجود القريحة والحذق، والنظر يلطف ويدقّ، في أن تجمع أعناق المتنافرات والمتباينات في ربقة، وتعقد بين الأجنبيّات معاقد نسب وشبكة. وما شرفت صنعة، ولا ذكر بالفضيلة عمل، إلا لأنهما يحتاجان من دقّة الفكر ولطف النظر ونفاذ الخاطر، إلى ما لا يحتاج إليه غيرهما، ويحتكمان على من زاولهما والطالب لهما من هذا المعنى، ما لا يحتكم ما عداهما، ولا يقتضيان ذلك إلّا من جهة إيجاد الائتلاف في المختلفات.

وذلك بين لك فيما تراه من الصناعات وسائر الأعمال التي تنسب إلى الدقة، فإنك تجد الصورة المعمولة فيها، كلما كانت أجزاؤها أشدّ اختلافا في الشكل والهيئة، ثم كان التلاؤم بينها مع ذلك أتمّ، والائتلاف أبين، كان شأنها أعجب، والحذق لمصوّرها أوجب.

وإذا كان هذا ثابتا موجودا، ومعلوما معهودا، من حال الصور المصنوعة والأشكال المؤلّفة، فاعلم أنها القضيّة في «التمثيل» واعمل عليها، واعتقد صحّة ما ذكرت لك من أنّ أخذ الشبه للشيء مما يخالفه في الجنس وينفصل عنه من حيث ظاهر الحال، حتى يكون هذا شخصا يملأ المكان، وذاك معنى لا يتعدّى الأفهام والأذهان وحتى إن هذا إنسان يعقل، وذاك جماد أو موات لا يتّصف بأنه يعلم أو يجهل وهذا نور شمس يبدو في السماء ويطلع، وذاك معنى كلام يوعى ويسمع وهذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015