روح يحيا به الجسد، وذاك فضل ومكرمة تؤثر وتحمد، كما قال (?): [من البسيط]
إنّ المكارم أرواح يكون لها … آل المهلّب دون النّاس أجسادا
وهذا مقال متعصّب منكر للفضل حسود، وذاك نار تلتهب في عود، وهذا مخلاف، وذاك ورق خلاف، كما قال ابن الرّوميّ (?): [من الخفيف]
بذل الوعد للأخلّاء سمحا … وأبى بعد ذاك بذل العطاء
فغدا كالخلاف يورق للعي … ن، ويأبى الإثمار كلّ الإباء
وهذا رجل يروم العدوّ تصغيره والإزراء به، فيأبى فضله إلّا ظهورا، وقدره إلا سمّوا، وذاك شهاب من نار تصوّب وهي تعلو، وتخفض وهي ترتفع، كما قال أيضا (?): [من الخفيف]
ثم حاولت بالمثيقيل تصغي … ري فما زدتني سوى التّعظيم
كالذي طأطأ الشّهاب ليخفى … وهو أدنى له إلى التّضريم
وأخذ هذا المعنى من كلام في حكم الهند، وهو: «إن الرجل ذا المروءة والفضل ليكون خامل المنزلة غامض الأمر، فما تبرح به مروءته وعقله حتى يستبين ويعرف، كالشعلة من النار التي يصوّبها صاحبها وتأبى إلّا ارتفاعا».
هذا هو الموجب للفضيلة، والداعي إلى الاستحسان، والشفيع الذي أحظى «التمثيل» عند السامعين، واستدعى له الشغف والولوع من قلوب العقلاء الراجحين، ولم تأتلف هذه الأجناس المختلفة للممثّل، ولم تتصادف هذه الأشياء المتعادية على حكم المشبّه، إلا لأنه لم يراع ما يحضر العين، ولكن ما يستحضر العقل، ولم يعن بما تنال الرؤية، بل بما تعلّق الرويّة، ولم ينظر إلى الأشياء من حيث توعى فتحويها الأمكنة بل من حيث تعيها القلوب الفطنة.
ثم على حسب دقّة المسلك إلى ما استخرج من الشّبه، ولطف المذهب وبعد التّصعّد إلى ما حصل من الوفاق، استحقّ مدرك ذلك المدح، واستوجب التقديم، واقتضاك العقل أن تنوّه بذكره، وتقضي بالحسنى في نتائج فكره. نعم، وعلى حسب