وردّ البعيد إلى المألوف القريب، ما يعطي البحتريّ، ويبلغ في هذا الباب مبلغه، فإنه ليروض لك المهر الأرن رياضة الماهر، حتى يعنق من تحتك إعناق القارح المذلّل، وينزع من شماس الصعب الجامح، حتى يلين لك لين المنقاد الطّيع، ثمّ لا يمكن ادعاء أنّ جميع شعره في قلّة الحاجة إلى الفكر، والغنى عن فضل النظر، كقوله (?):
[من الهزج]
فؤادي منك ملآن … وسرّي فيك إعلان
وقوله (?): [من الكامل] عن أيّ ثغر تبتسم وهل ثقل على المتوكل قصائده الجياد حتى قلّ نشاطه لها واعتناؤه بها، إلا لأنّه لم يفهم معانيها كما فهم معاني النوع النازل الذي انحطّ له إليه؟ أتراك تستجيز أن تقول: إن قوله:
منى النّفس في أسماء لو يستطيعها (?) من جنس المعقّد الذي لا يحمد، وإن هذه الضّعيفة الأسر، الواصلة إلى القلوب من غير فكر، أولى بالحمد، وأحقّ بالفضل.
هذا، والمعقّد من الشعر والكلام لم يذمّ لأنه مما تقع حاجة فيه إلى الفكر على الجملة، بل لأنّ صاحبه يعثر فكرك في متصرّفه، ويشيك طريقك إلى المعنى، ويوعّر مذهبك نحوه، بل ربّما قسّم فكرك، وشعّب ظنّك، حتى لا تدري من أين تتوصّل وكيف تطلب؟.
وأمّا الملخّص، فيفتح لفكرتك الطريق المستوي ويمهّده، وإن كان فيه تعاطف أقام عليه المنار، وأوقد فيه الأنوار، حتى تسلكه سلوك المتبين لوجهته، وتقطعه قطع الواثق بالنّجح في طيّته، فترد الشريعة زرقاء، والروضة غنّاء، فتنال الريّ، وقطف الزهر الجنيّ، وهل شيء أحلى من الفكرة إذا استمرت وصادفت نهجا