والحيّ ميّتا أعني جعلهم الرجل إذا بقي له ذكر جميل وثناء حسن بعد موته، كأنه لم يمت، وجعل الذكر حياة له، كما قال:
ذكر الفتى عمره الثّاني (?) وحكمهم على الخامل الساقط القدر الجاهل الدنيء بالموت، وتصييرهم إياه حين لم يكن ما يؤثر عنه ويعرف به، كأنه خارج عن الوجود إلى العدم، أو كأنه لم يدخل في الوجود.
ولطيفة أخرى له في هذا المعنى، هي، إذا نظرت، أعجب، والتعجّب بها أحقّ ومنها أوجب، وذلك جعل الموت نفسه حياة مستأنفة حتى يقال: إنه بالموت استكمل الحياة في قولهم: «فلان عاش حين مات»، يراد الرجل تحمله الأبيّة وكرم النفس والأنفة من العار، على أن يسخو بنفسه في الجود والبأس، فيفعل ما فعل كعب بن مامة في الإيثار على نفسه، أو ما يفعله الشجاع المذكور من القتال دون حريمه، والصبر في مواطن الإباء، والتصميم في قتال الأعداء، حتى يكون له يوم لا يزال يذكر، وحديث يعاد على مرّ الدهور ويشهر، كما قال ابن نباتة (?): [من الكامل]
بأبي وأمّي كلّ ذي … نفس تعاف الضّيم مرّة
ترضى بأن ترد الرّدى … فيميتها ويعيش ذكره
وإنه ليأتيك من الشيء الواحد بأشباه عدة، ويشتقّ من الأصل الواحد أغصانا في كل غصن ثمر على حدة، نحو أن «الزّند» بإيرائه يعطيك شبه الجواد، والذكيّ الفطن، وشبه النجح في الأمور والظفر بالمراد وبإصلاده شبه البخيل لا يعطيك شيئا،