وقوله: " أَشَابَ الصغيرَ وأَفْنَى الكبي رَ كَرُّ الغَدَاةِ ومَرُّ العَشِي " المجاز واقعٌ في إثبات الشيب فعلاً للأيام ولكرّ الليالي، وهو الذي أُزيل عن موضعه الذي ينبغي أن يكون فيه، لأن من حق هذا الإثبات، أعني إثبات الشَّيب فعلاً، أن لا يكون إلا مع أسماء الله تعالى، فليس يصحّ وجود الشيب فعلاً لغير القديم سبحانه، وقد وُجٍّه في البيتين كما ترى إلى الأيام وكرّ الليالي، وذلك ما لا يُثَبت له فعلٌ بوجهٍ، لا الشيبُ ولا غيرُ الشيب، وأما المُثْبَت فلم يقع فيه مجاز، لأنه الشيب وهو موجود كما ترى
وهكذا إذا قلت سرَّنى الخبر وسرَّنى لقاؤك، فالمجاز في الإثبات دون المثبَت، لأن المثبَت هو السرور، وهو حاصل على حقيقته، ومثال ما دخل المجازُ في مُثبته دون إثباته، قوله عز وجل: " أوَ مَنْ كَانَ مَيْتاً فَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ " " الأنعام: 221 "، وذلك أن المعنى - والله أعلم - على أن جُعل العلمُ والهُدَى والحكمة حياة للقلوب، على حدِّ قوله عز وجل: " وَكَذَلِكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحاً مِنْ أمْرِنَا " " الشورى: 25 "، فالمجاز في المُثْبَت وهو الحياة، فأما الإثبات فواقع على حقيقته، لأنه ينصرف إلى أن الهدى والعلم والحكمة فَضْلٌ من الله وكائنٌ من عنده،