ومَثَلُ من تَوقَّف في التفات هذه الأسامي إلى معانيها الأُوَل، وظَنَّ أنها مقطوعةٌ عنها قطعاً يرفع الصلةَ بينها وبين ما جازت إليه، مَثَلُ مَنْ إذا نَظر في قوله تعالى: " إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ " " ق: 37 "، فرأى المعنى على الفهم والعقل أخذه ساذجاً وقَبِله غُفْلاً، وقال القلب، هاهنا بمعنى العقل وترك أن يأخُذه من جهتِه، ويدخُلَ إلى المعنى من طريق المَثَل فيقولَ إنّه حين لم ينتفع بقلبه، ولم يفهم بعد أن كان القلب للفهم، جُعِلَ كأنه قد عدِم القلبَ جملةً وخُلع من صدره خَلْعاً، كما جُعل الذي لا يَعِي الحكمة ولا يُعمل الفِكْر فيما تُدركه عَيْنه وتسمَعُه أُذُنه، كأنه عادمٌ للسمع والبصر، وداخلٌ في العَمَى والصمم ويذهبُ عن أنّ الرجل إذا قال قد غاب عني قلبي، وليس يحضُرني قلبي فإنه يريد أن يُخيِّل إلى السامع أنه قد فقد قلبه، دون أن يقول غابَ عني علمي وعَزَب عقلي، وإن كان المرجع عند التحصيل إلى ذلك، كما أنه إذا قال لم أكن هاهنا، يريد شدّة غفلته عن الشيء، فهو يضع كلامه على تخييل أنه كان غاب هكذا بجملته وبذاته، دون أن يريد الإخبار بأنّ علمه لم يكن هناك، وغرضي بهذا أنْ أُعْلِمك أنّ مَن عَدَل عن الطريقة في الخَفِيِّ، أفضى به الأمرُ إلى أن يُنكر الجليّ، وصار من دَقيق الخطأ إلى الجليل، ومن بعض الانحرافات إلى ترك السبيل، والذي جلب التَّخليط والخَبْطَ الذي تراه في هذا الفنّ، أَنَّ الفَرْق بين أن