اسرار البلاغه (صفحة 285)

ومما هو خليقٌ أن يوضع في منزلة هذه القطع، ويلحق بها في لطف الصنعة، قول أبي هِلالٍ العسكري:

زَعَم البَنَفْسَجُ أنَّه كعِذَارهِ ... حُسْناً فسَلُّوا مِن قَفَاه لسانَهُ

لَم يَظْلِمُوا في الحكم إذْ مَثَلوا به ... فلشَدَّمَا رفع البَنَفْسَجُ شَانَهُ

وقد اتفق للمتأخرين من المحْدَثين في هذا الفن نُكَتٌ ولطائف، وبِدَعٌ وظرائف، لا يُستكثر لها الكثير من الثّناء، ولا يضيق مكانُها من الفَضْل عن سَعَة الإطراء، فمن ذلك قول ابن نباتة في صفة الفرس:

وأدهمُ يستمدُّ الليلُ منه ... وتَطلُع بين عَينَيه الثُّريَّا

سَرَى خَلْفَ الصَّباحِ يطير مَشْياً ... ويَطْوِي خَلْفَه الأفلاكَ طَيّاً

فلَمّا خاف وَشْكَ الفَوْتِ منه ... تَشَبَّثَ بالقوائم والمُحَيَّا

وأحسن من هذا وأحكم صنعةً قولُه في قطعة أخرى:

فكأنما لَطَمَ الصباحُ جبينَهُ ... فاقتصَّ منه وخَاضَ في أَحشائهِ

وأول القطعة:

د جَاءَنا الطِّرْفُ الذي أهْدَيْتَهُ ... هَادِيه يَعْقِد أرضَه بسمائهِ

َوِلايةً وَلَّيتَنا فبَعَثْتَهُ ... رُمحاً سَبيبُ العُرفِ عَقْدُ لِوائِه

ختال منه على أَغَرَّ محجَّلٍ ... ماءُ الدَّياجي قطرةٌ من مائهِ

كأنما لَطَمَ الصَّباحُ جبينَهُ ... فاقتصَّ منه وخَاضَ في أحشائِه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015