شتَّانَ بين اثنين هذا مُوعِدُ ... بتَسلُّبِ الدُّنيا وهَذَا واعدُ
يَنْهَى النديمَ عن القبيح بلحظِه ... وَعَلَى المُدامةِ والسماعِ مُساعدُ
اطلبْ بِعَفْوك في الملاح سَمِيَّه ... أبداً فإنك لا مَحَالة واجدُ
والوَرْدُ إن فكّرتَ فردٌ في اسمه ... ما في الملاح له سمِيُّ واحدُ
هذي النجومُ هي التي رَبَّتْهُما ... بِحَيا السحابِ كما يُربِّي الوالدُ
فانظر إلى الأخَوَين مَن أدناهما ... شَبَهاً بوالده فذاك الماجدُ
أين الخدودُ من العيون نَفَاسةً ... ورِئاسةً لولا القياسُ الفاسدُ
وترتيب الصنعة في هذه القطعة، أنه عمل أوَّلاً على قلب طرفَي التشبيه، كما مضى في فصل التشبيهات، فشبّه حُمرةَ الورد بحمرة الخجل، ثم تناسَى ذلك وخَدعَ عنه نفسه، وحملها على أن تعتقد أنه خَجَلٌ على الحقيقة، ثم لما اطمأنَّ ذلك في قلبه واستحكمت صورته، طَلَبَ لذلك الخجل عِلّةً، فجعل عِلَّته أنْ فُضِّل على النرجس، ووُضِع في منزلةٍ ليس يرى نفسَهُ أهْلاً لها، فصار يتَشوَّر من ذلك، ويتخوّف عيبَ العائب، وغميزةَ المستهزئ، ويجدُ ما يجد مَنْ مُدِح مِدْحةً يَظْهر الكذب فيها ويُفْرِط، حتى تصير كالهُزء بمن قُصِد بها، ثم زادته الفِطْنة الثاقبةُوالطبع المُثْمر في سحر البيان، ما رأيت من وضع حِجاج في شأن النرجس، وجهةِ استحقاقه الفضلَ على الورد، فجاء بحُسنٍ وإحسانٍ لا تكاد تجد مثله إلاّ له.