وهكذا إذا تأوَّلوا في الشيب أنه ليس بابيضاض الشعر الكائن في مجرى العادة وموضوع الخلْقة، ولكنه نُور العقل والأدبِ قد انتشر، وبان وَجْهه وظهر، كقول الطائي الكبير:
ولا يُرَوِّعْك إيماضُ القَتِير به ... فَإنَّ ذاك ابتسامُ الرَّأْي والأدبِ
وينبغي أن تعلمَ أنّ باب التشبيهات قد حظِي من هذه الطريقة بضرب من السِّحْر، لا تأتي الصفة على غَرابته، ولا يبلُغ البيان كُنَه ما ناله من اللُّطف والظَّرف، فإنه قد بلغ حدّاً يرُدُ لمعروفَ في طِباع الغَزِل، ويُلْهى الثَّكْلان من الثُّكْل، ويَنْفُث في عُقَد الوَحشة، وينشُد ما ضلّ عنك من المسَرَّةِ، ويشهد لِلشِّعر بما يُطيل لِسَانه في الفخر، ويُبين جُمْلة ما للبيان من القُدرة والقَدْر، فمن ذلك قول ابن الرومي:
خجِلتْ خدودُ الورد من تفضيله ... خَجَلاً تورُّدُها عليه شاهدُ
لم يَخْجَلِ الوردُ المورَّدُ لونُه ... إلاَّ وناحِلهُ الفضيلةَ عاندُ
للنرجس الفضلُ المُبينُ وإن أبَى ... آبٍ وحادَ عن الطريقة حائدُ
فصْلُ القضية أنّ هذا قائدٌ ... زَهَرَ الرياضِ وأَنّ هذا طاردُ