فمعك معنيان: أحدُهما موجودٌ معلومٌ، والآخرُ مُدَّعًى موهومٌ فاعرفه. وممّا يشبه هذا الفَنَّ الذي هو تأوُّلٌ في الصفة فقط، من غير أن يكون معلولٌ وعلّةٌ، ما تراه من تأوُّلهم في الأمراض والحمَّيَات أنها ليست بأمراض، ولكنها فِطَنٌ ثاقبة وأذهانٌ متوقِّدة وعَزَمات، كقوله:
وحُوشِيتَ أن تَضْرَى بجسمك عِلَّةٌ ... ألاَ إنَّها تلك العُزُوم الثَّواقبُ
وقال ابن بابك:
فترتَ وما وجدتَ أبا العلاءِ ... سِوَى فَرْط التوقُّد والذَّكاءِ
ولكشاجم، يقوله في علي بن سليمان الأخفش:
ولقد أخطأَ قومٌ زعموا ... أنها من فَضْل بَرْدٍ في العَصَبْ
هُو ذَاكَ الذِّهن أذكى نَارَه ... وَالمِزَاجُ المُفْرِطُ الحَرِّ التهبْ
ولا يكون قول المتنبي:
وَمَنازلُ الحُمَّى الجُسومُ فقلْ لنا ... مَا عُذْرُها في تَرْكها خَيراتِها
أعجبتَها شَرَفاً فَطَال وُقُوفُها ... لتأَمُّلِ الأعضاءِ لاَ لأَذَاتِها
من هذا في شيء، بأكثر من أن كلا القولين في ذكر الحُمَّى، وفي تطييب النفس عنها، فهو اشتراك في الغَرض والجنس، فأما في عمود المعنى