الدعوى في إثبات الخصومة، وجَعْلِ النَّوى كالشيء الذي يعقل ويميّز ويريد ويختار، وحديثُ الغَيرةِ والمشاركةِ في هوى الحبيب، يثبُتُ بثبوت ذلك من غير أن يفتقر مِنك إلى وَضْعٍ واختراع. ومما يلحق بالفنّ الذي بدأتُ به قولُه:
بِنَفسِيَ ما يشكوهُ مَن راح طَرْفُهُ ... ونَرْجِسُهُ مِمّا دَهَى حُسنَه وَردُ
أراقَتّْ دَمِي عَمْداً مَحاسنُ وجهه ... فأضْحَى وفي عَيْنَيه آثارُه تَبْدُو
لأنه قد أتى لحمرة العين وهي عارض يَعْرِض لها من حيث هي عينٌ بعلّةٍ يعلم أنها مخترعَة موضوعة، فليس ثمَّ إراقة دم، وأصْل هذا قول ابن المعتز:
قَالُوا اشتكتْ عَيْنُه فقُلْتُ لَهُم ... مِن كَثْرةِ القَتْل نَالَها الوَصَبُ
حُمْرتُها مِن دِماءِ مَن قتلَتْ ... والدَّمُ في النَّصْل شاهدٌ عَجَبُ
وبين هذا الجنس وبين نحو الرّيح تحسدني، فرقٌ، وذلك أن لك هناك فِعلاً هو ثابت واجب في الريح، وهو ردُّ الرداء على الوجه، ثم أحببت أن تتطرّف، فادَّعيت لذلك الفعل علّةً من عند نفسك، وأما هاهنا فنظرتَ إلى صفةٍ موجودة، فتأوّلتَ فيها أنها صارت إلى العين من غيرها، وليست هي التي من شأنها أن تكونَ في العين، فليس معك هنا إلا معنىً واحدٌ، وأما هناك