اسرار البلاغه (صفحة 242)

وإذا جاوزتَ هذه الأحوال، كان اسم المشبَّه مذكوراً وكان مبتدأ، واسمُ المشبَّه به واقعاً في موضع الخبر، كقولك: زيد أسد، أو على هذا الحد، وهل يستحقّ الاسم في هذه الحالة أن يوصف بالاستعارة أم لا:؟ فيه شبهة وكلامٌ سيأتيك إن شاء اللَّه تعالى. وإذ قد عرفت هذه الجملةَ، فينبغي أن تعلم أنه ليس كل شيء يجيء مشبَّهاً به بكافٍ أو بإضافة مِثْلَ إليه، يجوز أن تسلّط عليه الاستعارة، وتُنفِذ حكمَها فيه، حتى تنقله عن صاحبه وتدّعيه للمشبَّه على حدّْ قولك: أبديتُ نوراً تريد علماً، وسللتُ سيفاً صارماً، تريد رأياً نافذاً وإنما يجوز ذلك إذا كان الشَّبه بين الشيئين مما يقرُب مأخذه وَيَسْهُل متناوَلُه، ويكونُ في الحالِ دليلٌ عليه، وفي العُرف شاهدٌ له، حتى يُمكن المخاطَبَ إذا أطلقت له الاسم أن يعرف الغَرَضَ ويعلم ما أردت، فكل شيء كان من الضَّرب الأول الذي ذكرتُ أنك تكتفي فيه بإطلاق الاسم داخلاً عليه حرف التشبيه نحو قولهم هو كالأسد، فإنك إذا أدخلت عليه حكم الاستعارة وجدت في دليل الحال، وفي العرف ما يُبيِّن غرضك، إذ يُعْلَم إذا قلت رأيت أسداً، وأنت تريد الممدوح، أنّك قصدت وصفَه بالشجاعة وإذا قلت طلعت شمسٌ، أنت تريد امرأة، عُلِم أنك تريد وَصْفها بالحسن، وإن أردت الممدوح عُلِم أنك تقصِد وصفَه بالنَّباهة والشرف. فأما إذا كان من الضرب الثاني الذي لا سبيل إلى معرفة المقصود من الشبه فيه إلا بعد ذكر الجمل التي يعقد بها التمثيل، فإن الاستعارة لا تدخله،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015