لأن وجه الشبه إذا كان غامضاً لم يَجُز أن تقتسر الاسم وتَغْصِب عليه موضعه، وتنقله إلى غير ما هو أهله من غير أن يكون معك شاهدٌ يُنبئُ عن الشَبه. فلو حاولتَ في قوله: " فإنَّك كالليلِ الَّذِي هو مُدْرِكِي " أن تُعامل الليلَ معاملةَ الأسد في قولك: رأيت أسداً، أعني أن تُسقط ذكر الممدوح من البَيْن، لم تجد له مذهباً في الكلام، ولا صادفت طريقةً تُوَصِّلك إليه، لأنك لا تخلُو من أحد أمرين إمّا أن تحذفَ الصفةَ وتقتصر على ذكر الليل مجرّداً فتقول إن فررتُ أظلّني اللَّيل، وهذا محال، لأنه ليس في الليل دليل على النكتة التي قصدها من أنه لا يفوتُه وإن أبعد في الهرب، وصار إلى أقصى الأرض، لسعة مُلكه وطول يده، وأَنّ له في جميع الآفاق عاملاً وصاحبَ جيش ومُطيعاً لأوامره يردُّ الهارب عليه ويسوقه إليه وغايةُ ما يتأتَّى في ذلك أن يريد أنه إن هرب عنه أظلمت عليه الدنيا، وتحيَّر ولم يهتدِ، فصار كمن يحصُل في ظُلمة الليل، وهذا شيء خارج عن الغَرَض، وكلامنا على أن تستعير الاسم ليؤدَّى به التشبيه الذي قُصِد في البيت ولم أُرِد أنه لا تُمكن استعارته على معنًى ما، ولا يَصْلُح في غرض من الأغراض. وإن لم تحذف الصفة، وجدت طريق الاستعارة فيه يؤدِّي إلى تعسّف، إذ لو قلت إن فررتُ منك وجدتُ ليلاً يُدْركني، وإن ظننتُ أنّ المنتأَى واسعٌ والمهرَبَ بعيدٌ قلتَ ما لا تقبله الطِّباع، وسلكتَ طريقةً مجهولةً، لأن العُرف لم يَجْرِ بأن يُجعل الممدوحُ ليلاً هكذا،