اسرار البلاغه (صفحة 226)

ونحوها بالبياض والإشراق، والبِدعة بخلاف ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أتيتكم بالحنيفيّة البَيْضَاء ليلُها كنهارِها "، وقيل هذه حُجَّة بيضاء، وقيل للشبهة وكل ما ليس بحق إنه مُظْلم، وقيل سواد الكفر، ووظلمة الجهل، يُخيَّل أن السنن كلها جنسٌ من الأجناس التي لها إشراقٌ ونورٌ وابْيِضاض في العين، وأن البدعة نوع من الأنواع التي لها فَضْلُ اختصاصٍ بسواد اللون، فصار تشبيهه النُّجوم بين الدجى بالسنن بين الابتداع، على قياس تشبيههم النجوم في الظلام ببياض الشيب في سواد الشباب، أو بالأنوار وائتلاقها بين النَّبات الشديد الخضرة، فهذا كلَّه هاهنا، كأنه ينظر إلى طريقة قوله: " وبَدا الصباح كأنّ غُرّته " في بناء التشبيه على تأويل هو غير الظاهر، إلا أنّ التأويل هناك أنه جعل في وجه الخليفة زيادةً من النور والضياء يبلغُ بها حالَ الصباح أو يزيد والتأويل هاهنا أنه خَيَّل ما ليس بمتلوِّن كأنه متلوِّن، ثم بنى على ذلك. ومن هذا الباب قول الآخر:

ولقد ذكرتُكِ والظَّلامُ كأنه ... يَومُ النَّوَى وفُؤَادُ من لم يعشَقِ

لما كانت الأوقات التي تحدث فيها المكارهُ توصف بالسواد فيقال اسوَدَّ النهار في عيني، وأظْلمت الدنيَا عليَّ، جعل يوم النوى كأنه أعرفُ وأشهر بالسواد من الظلام، فشبَّه به، ثم عطف عليه فؤاد من لم يعشق،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015