اسرار البلاغه (صفحة 225)

في السيوف لَمَعَاناً على هيئة مخصوصة من الاستطالة وسرعة الحركة، تجده بعينه أو قريباً منه في البُروق، وكذلك تجد في المَدَاهن من الدُرّ حَشْوُهن عَقيقُ، من الشكل واللون والصورة ما تجده في النرجس، حتى يُتصوَّر أن يشتبه الحال في الشيء من ذلك، فيُظَنّ أن أحدَهما الآخرُ فلو أن رجلاً رأى من بعيد بريقَ سيوف تُنْتضَى من الغُمود، لم يَبْعُد أن يغلَطَ فيحسب أن بروقاً انعقَّت، وما لم يقع فيه الغلط كان حاله قريباً مما يجوز وقوع الغلط فيه، ومحالٌ أن يكون الأمر كذلك في التمثيل، لأن السُنَن ليست بشيء يتراءَى في العين فيشتبهَ بالنجوم، ولا ههنا وصفٌ من الأوْصاف المشاهَدة يجمع السنن والنجوم، وإنّما يُقصد بالتشبيه في هذا الضرب ما تقدّم من الأحكام المتأوَّلة من طريق المقتضَى، فلمَّا كانت الضلالة والبدعة وكل ما هو جهلٌ، تجعل صاحبَها في حكم من يمشي في الظُّلمة فلا يهتدي إلى الطريق، ولا يفصل الشيءَ من غيره حتى يتردَّى في مَهْواةٍ، ويعثُرَ على عدوّ قاتلٍ وآفةٍ مهلكة، لَزِم من ذلك أن تُشبَّه بالظلمة، ولزم على عكس ذلك أن تشبَّه السُّنَّةُ والهُدَى والشريعةُ وكلُّ ما هو عِلْمٌ بالنُّور. وإذا كان الأمر كذلك، علمتَ أن طريقة العكس لا تجيء في التمثيل على حدّها في التشبيه الصريح، وأنها إذا سُلِكَت فيه كان مبنيّاً على ضرب من التأوّل والتخيُّل يخرج عن الظاهر خروجاً ظاهراً، ويبعُدُ عنه بُعداً شديداً. فالتأويل في البيت أنه لما شاع وتُعُورف وشُهِر وصفُ السُنّة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015