تظرُّفاً وإتماماً للصنعة، وذلك أن الغَزِل يدَّعي القَسْوة على من لم يعرف العشقَ، والقلبُ القاسي يُوصف بشدّةِ السواد، فصار هذا القلب عنده أصلاً في الكُدرة والسواد فقاس عليه، وعلى ذلك قول العامّة ليلٌ كقلب المنافق أو الكافر، إلا أنّ في هذا شَوْباً من الحقيقة، من حيث يُتصوَّر في القلب أصل السواد، ثم يُدَّعَى الإفراط، ولا يُدَّعى في البدعة نفسُ السواد، لأنها ليس مما يتلوّن، لأن اللون من صفات الجسم، فالذي يساويه في الشبه المساواةَ التامّة قولهم أظلمُ من الكفر، كما قال ابن العميد في كتاب يُدَاعبُ فيه، ويُظهر التظلّم من هلال الصوم ويدعو على القمر فقال " وأرغب إلى اللهَ تعالى في أن يقرِّب على القمر دَوْرَه، وينقص مسافة فَلَكه "، ثم قال بعد فصل " ويُسمعني النُّعرة في قَفَا شهر رمضان، ويعرض عليَّ هلاله أخفى من السحر وأظلم من الكفر ".
وإن تأوّلت في قوله: " سُنَنٌ لاح بينهنَّ ابتداعُ " أنه أراد معنى قولهم إن سوادَ الظلام يزيد النجوم حُسناً وبهاءً، كان له مذهبٌ، وذلك أنه لما كان وقوفُ العاقل على بطلان الباطل، واطّلاعُه على عَوَار البدعة، وخَرْقُه الستر عن فضيحة الشُّبهة، يزيد الحق نُبلاً في نفسه، وحُسناً في مرآة عقله، جعل هذا الأصل من المعقول مثالاً للمُشاهدَ المُبصَرِ هناك، إلا أنه على ذلك لا يخرج من أن يكون خارجاً عن الظاهر، لأن الظاهر أَن يُمثَّل المعقولُ في ذلك بالمحسوس، كما فعل البحتري في قوله: