ذلك وأنَّى فإذا كان المدح على صورة قوله وجه الخليفة حين يمتدح، خَفَّ عنه الشطرُ من تكاليف هذه الخصلة، وإذ قد تبيّن كيف يكون جعلُ الَفرْع أصلاً، والأصْلِ فرعاً فالتشبيه الصريح، فارجعْ إلى التمثيل، وانظر هل تجيء فيه هذه الطريقة على هذه السَّعة والقوة؟ ثم تأمَّل ما حُمل من التمثيل عليها كيف حكمه وهل هو مُسَاوٍ لما رأيتَ في التشبيه الصريح، وحاذٍ حَذوَه على التحقيق، أم الحال على خلاف ذلك، والمثال فيما جاد من التمثيل مردوداً فيه الفرعُ إلى موضع الأصل، والأصل إلى محلِّ الفرع، قوله:
وكأنّ النُّجومَ بين دُجَاه ... سُنَنٌ لاحَ بَيْنَهنَّ ابتداعُ
وذلك أن تشبيه السُّنن بالنجوم، تمثيلٌ، والشبه عقليٌّ، وكذلك تشبيه خِلافِها من البِدْعة والضلالةِ بالظُّلمة، ثم إنه عكس فشبّه النجم بالسُّنن، كما يُفعَل فيما مضى من المشاهدات، إلا أنَّا نعلم أنه لا يجري مَجْرَى قولنا كأن النجوم مصابيح تارةً وكأن المصابيح نجوم أخرى، ولا مجرى قولك: كأنّ السيوف بُروق تَنْعَقّ، وكأنّ البروق سيوف تُسلُّ من أغمادها فَتَبْرُق، ونظائر ذلك مما مضى، وذلك أن الوصف هناك لا يختلف من حيث الجنس والحقيقة، وتجدُه العينُ في الموضعين، وليس هو في هذا مشاهداً محسوساً، وفي الآخر معقولاً متصوَّراً بالقلب ممتنعاً فيه الإحساس، فأنت تجد